الأربعاء، يناير ١٩، ٢٠١١

موقع المسيحيين المصريين فى المشروع الإسلامى



استمرارا لمسلسل مقالات المدونة لمعالجة قضية الفتنة الطائفية نعرض هنا مقالة للأستاذ مجدى أحمد حسين من سلسلة لماذا حزب العمل الإسلامى؟ المقالة بعنوان ما هو موقع المسيحيين المصريين فى مشروعنا الإسلامى؟


موقف حزب العمل الإسلامى من هذه القضية مبسوط فى وثائق وكتب عدة، بل فى مواقف عملية رائدة, خاصة فى مجال ترشيح المسيحيين على قوائم حزب العمل, وإدخالهم مجلس الشعب، أو فى انتخابهم فى قيادة الحزب رغم إعلان التوجه الإسلامى، ولا تزال أبواب عضوية الحزب مفتوحة لأى مسيحى يقبل برنامجنا السياسى ويقبل العمل تحت مظلة المشروع الإسلامى الحضارى.

ويمكن الرجوع لموقفنا فى كتاب: "الإسلام دين وحضارة" للأستاذ عادل حسين فى الفصل الأول، وفى تقارير المؤتمر السابع للحزب 1999، وفى دراستى (أحكام القرآن الكريم فى موالاة الكفار والمشركين - الفصل الخامس). وخلاصة هذا الموقف أننا نتعامل مع المسيحيين فى مصر كمواطنين فى الدولة الإسلامية يتمتعون بالجنسية الإسلامية كهوية حضارية للوطن، فيما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وإن بقوا من الناحية الشخصية على عقائدهم وعبادتهم وأحوالهم الخاصة، وهذا هو الموقف الإسلامى النظرى (الفقهى) العام, وإن كان فى مصر قد أخذ شكلا أكثر اكتمالا من أى بلد آخر.

وأن الإسلام إذا كان بالنسبة للمسلمين دين وحضارة، فهو بالنسبة للمسيحيين يمكن أن يكون حضارة فحسب، وإن النظر الموضوعى لأساسيات الدين الإسلامى يكشف عدم وجود تعارض مع قيم وأخلاقيات المسيحيين الشرقيين، وأنهم كانوا بطبيعتهم أقرب لإخوانهم المسلمين - خاصة فى مصر - من الوافدين والمستعمرين الغربيين، حتى قال أحد الغربيين أن مسيحى مصر هم مسلمون يصلون فى الكنائس يوم الأحد! فى إشارة إلى حالة الاندماج العام بين الطرفين فى مختلف العادات والتقاليد وطرائق الحياة. ولكننا نعانى منذ عدة عقود من مشكلات حقيقية طارئة خطيرة بتأثير واضح من المخططات الصهيونية - الأمريكية، وهذه المشكلات غير مسبوقة فى تاريخ مصر، ويتعين التعامل معها كمتغير جديد أضحى يشكل خطورة جدية على وحدة الأمة.

ولذلك فإن كثيرين سينظرون إلى عنوان هذه الحلقة (ما هو موقع المسيحيين المصريين، فى مشروعنا الإسلامى؟) باعتباره عنوانا عجيبا يبدو خارج سياق أحوال الأمة! وسنأتى لذلك، ولكننا نؤكد أن مواقفنا من الأقلية المسيحية مواقف مبدئية لا تتغير لأنها بالنسبة لنا أوامر إلهية وجزءا لا يتجزأ من عقيدتنا، وليست مجرد مواقف سياسية سطحية بهدف المناورة والكسب السياسى العارض، وهى لذلك تحتاج إلى زمن حتى يتأكد المسيحيون من إخلاصها وأنها الأوفق لهم فى دينهم ووطنهم وحياتهم الشخصية من أى خيار آخر علمانى أو تغريبى أو تابع للغرب.

وإذا أردنا الاختصار هنا نقول أن مبدأ (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) هو مبدأ المواطنة الكاملة, فلهم كل حقوق وواجبات المواطنين المسلمين. والمهم هنا الإشارة إلى المساواة أمام القانون (باستثناء الأمور المتعلقة بالعقيدة)، وأن القوانين السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة على أساس إسلامى هى بالنسبة لهم قوانين مدنية يلتزمون بها ويستفيدون منها كمواطنين فى الدولة، فى كل الأمور التى لا تتعلق بعقيدتهم، وهم فى المقابل ليست لديهم شريعة فى المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أى لا يوجد تصادم بين شريعتين، والخيار أمامهم بين الشرائع الغربية العلمانية، والشريعة الإسلامية، وليس بين المسيحية والإسلام كما يتصور البعض. أما فى مجال كثير من الأمور الحياتية والقيم الأخلاقية وبعض الشرائع التفصيلية فإنها تتسق مع مبادىء الإسلام كما ورد فى الوصايا العشر: لا تقتل.. لا تسرق.. لا تزن.. لا تكذب.. إلخ, وكذلك - على عكس المفهوم الشائع - فإن المسيحية (وفقا لعقيدة الكنيسة المصرية) تحرم الخمر ولحم الخنزير وكذلك تحرم الربا والشذوذ الجنسى.

والإسلام هو مؤسس المواطنة، حيث تساوى الناس فى دستور (صحيفة) المدينة فى الحقوق والواجبات بما فى ذلك اليهود، وقبل الإسلام كانت المواطنة تعنى التوحد على دين واحد, بل على مذهب واحد (كما هو الحال فى التاريخ الأوروبى)، وحتى فى الزكاة - وهى فريضة دينية - فإن الفقراء من غير المسلمين من مواطنى الدولة لهم حق فيها، أو من بيت المال.

والإسلام - على خلاف التاريخ الأوروبى - كفل الحرية التامة للاعتقاد, فللمسيحيين الحق فى ممارسة عبادتهم وشعائرهم, والتمسك بعقائدهم وبقوانينهم الخاصة بالأحوال الشخصية. وينسى كثيرون أن جميع الكنائس فى مصر قد بنيت فى عهد الإسلام, لأن الحكم الرومانى السابق على الإسلام منع المسيحيين الأرثوذكس المصريين من ممارسة شعائرهم أو إبداء معتقداتهم، ودمر كنائسهم أو استولى عليها لحساب المذهب الذى كان يتبناه الرومان.

وينحصر الحوار داخل التيار الإسلامى حول مسألة تولى غير المسلمين للوظائف العليا للدولة كالإمامة وقيادة الجيش والقضاء والولاية على الصدقات, لأنها أمور تتصل مباشرة بالعقيدة، أى بتطبيق الشريعة الإسلامية والاجتهاد فى ذلك وأحكام الجهاد. وهو ما سماه المواردى "وزارات التفويض"، أما "وزارت التنفيذ" فهى مفتوحة لغير المسلمين. ويضيق المستشار طارق البشرى من هذه المساحة حين يشير إلى أن ما يسمى وزراء التفويض أصبحوا محدودين للغاية فى النظم الحديثة، بل إن السلطات الفردية تتجه للتلاشى لحساب المؤسسات والهيئات، وبالتالى فإن مشاركة غير المسلمين فى جميع المؤسسات لا تؤثر على الولايات العامة للمسلمين (المسلمون والأقباط فى إطار الجماعة الوطنية - دار الشروق - الطبعة الثانية - راجع صفحات من 669-690).

والمقصود بذلك أن القرارات تصدر من مجلس الوزراء بالأغلبية, فوجود وزراء مسيحيين لا يؤثر على الولاية العامة للمسلمين، وكذلك الأمر فى الهيئة التشريعية التى تضم مئات الأعضاء بينما لن يزيد المسيحيون عن 10 أو 20% فى أحسن الأحوال.

وفى الهيئات القضائية نجد أنها تتكون فى معظمها من 3 أو 5 أو 7 أعضاء, وفى الجيش المصرى يشارك المسيحيون بشكل طبيعى حتى وصل اللواء عزيز غالى إلى قيادة الجيش الثانى خلال حرب أكتوبر، وحاليا يوجد مسيحيون فى أعلى مراتب الجيش (قائد أحد الجيوش، ورئيس أركان القوات الجوية على سبيل المثال), لذلك فإننا نطالب بمساهمة المواطنين المسيحيين ومشاركتهم فى كافة الهيئات السياسية الرسمية والشعبية كالأحزاب والنقابات والمجالس المحلية والتشريعية والجمعيات، وهو أمر متحقق بالفعل من الناحية القانونية الآن.

والوضع الخاص للإمامة أو قيادة الجيش أو قيادة هيئة الزكاة، عندما تُخصص للمسلمين فليس فى ذلك أى تمييز ضد المسيحيين، فهو مبدأ ديمقراطى أى أن يكون الحكم للأغلبية، والإدارة الصحيحة لهذه المواقع تتطلب معرفة إسلامية، واعتقاد إسلامى (أى ليست مجرد معلومات)، وليس فى ذلك أى إهانة لأحد, أو تقليل من شأن أحد. فنحن لا نطالب مثلا أن يكون رئيس الولايات المتحدة أو فرنسا أو روسيا مسلما، بينما المسلمون أقلية ضئيلة, فهذا يتعارض مع أبسط قواعد المنطق وحكمة تاريخ وسنن المجتمعات، والديمقراطية! وإذا كان مسموحا للمسلم أن يترشح فى الولايات المتحدة مثلا فلا يوجد أحد يتصور أن ينجح هذا المرشح. وبالتالى فإن الإلحاح على طرح هذا السؤال: هل توافقون كإسلاميين على تولى مسيحى لحكم البلاد؟! هو سؤال غير منطقى ولا محل له. كما أن الإثارة المتوالية لفكرة أن تطبيق الشريعة الإسلامية يعنى التمييز ضد المسيحيين فهى بدورها - كسابقتها - نوع من المطالبة بإلغاء الإسلام، لأن تطبيق الشريعة جزء لا يتجزأ من العقيدة، ولا ندرى ما هو الأصل الديمقراطى للقول بأن 94% من المجتمع يلغون عقيدتهم حتى لا يثيروا حفيظة 6% منه. مع ملاحظة أن العقيدة تعنى هنا بالنسبة للمسلم مصيره الأبدى، أى خلوده فى الجنة أو خلوده فى النار. فهل يمكن التضحية بالدنيا والآخرة لأن هناك أقلية تدين بدين آخر (6%).

فما بالنا والعقيدة الإسلامية هى العقيدة الدينية التى لا تجرح مشاعر أحد، بل التى توفر الضمانات لغير المسلمين أكثر من أى نظام فى العالم. وهذا موضوع طويل, ولكن التاريخ حسم ذلك بألف مثال ومثال (بالنسبة لمصر أباد الرومان المسيحيين المصريين لمجرد خلاف مذهبى وقتلوا الملايين، فهل حدث ذلك فى أى عصر إسلامى حتى فى عهود الانحطاط!). أما الآن فنحن نرى مثلا أن الولايات المتحدة لا تسمح للمسلمين بتطبيق قانون أحوالهم الشخصية, فإذا تعددت زوجات المسلم يحاكم ويسجن، ونرى تزايد حالات الاستفزاز من الحجاب الذى وصل إلى حد المنع القانونى فى فرنسا، رغم أن ارتداء الحجاب ليس فيه أى اعتداء على أحد. ونرى استفتاءا فى سويسرا لمنع المآذن. فهل منع أى بلد إسلامى أبراج الكنائس؟!

باختصار فإن تطبيق الشريعة الإسلامية فى جوانبها القانونية لا يمثل أى اعتداء على أحد ولا يمثل فرضا لعقيدة الإسلام على أحد.

ولكن منذ عدة عقود تتصاعد أزمة طائفية خطيرة فى البلاد وبالتحديد منذ سنوات السبعينيات من القرن العشرين، وأصبحت الآن مستحكمة إلى حد بعيد.

وقد ذكرنا من قبل (راجع كتاب: أحكام القرآن الكريم فى موالاة الكفار والمشركين) أن مسئولية ذلك تعود إلى الدولة والحركة الإسلامية والكنيسة. أما الدولة بمعنى النظام الحاكم فهو لا يحسن إدارة أى مجال من مجالات حياتنا، فليس هذا هو المتغير الأهم، أما الحركة الإسلامية فقد نشأت لها فروع متشددة فى التعامل مع المسيحيين, ونرى أنه جانبها الصواب من الناحية الشرعية (بعض الجماعات الإسلامية) ولكننا لا نناقش ذلك الآن، لأن هذه الجماعات انحسرت أو اختفت تماما، والسائد الآن فى التيار الإسلامى هو الموقف الذى طالما دعونا له والذى أشرنا إلى ملامحه فيما سبق، وكان أهم تغير هو فى مواقف الإخوان المسلمين فى اتجاه موقف حزب العمل، وسقط تحفظها فى مجال ترشيح وتأييد ترشيح مسيحيين فى مجلس الشعب والنقابات والمجالس المحلية، وكانت بداية الانعطاف فى انتخابات عام 1987 فى إطار التحالف الإسلامى بين حزب العمل والإخوان المسلمين.

أما التغير الأهم فهو فى موقف الكنيسة، ففى عهد البابا شنودة تحولت الكنيسة لأول مرة منذ تأسيسها إلى كيان حزبى للمسيحيين، وسلطة سياسية "للشعب" المسيحى داخل الدولة. وهو الأمر الذى ساهم فى حدوث حالة التكتل الطائفى غير المسبوقة، حيث أصبح هناك مجتمع شبه كامل للمسيحيين على أرض مصر، وأصبحت قيادة الكنيسة هى الواسطة بين المواطن المسيحى والدولة المصرية. وكان هذا الموقف الجديد تماما على الكنيسة هو السبب الأساسى فى حدوث هذا الشرخ الذى ما يزال يتعمق يوما بعد يوم فى تكوين الأمة المصرية. وقد تمكن البابا شنودة من تحقيق مشروعه بإحكام سيطرته الفردية على الكنيسة وفرض رؤيته على الجميع، وأزاح من طريقه كل أقطاب الكنيسة كمتى مسكين والأنبا جريجوريوس على سبيل المثال, وكانوا مختلفين مع هذه الرؤية باعتبارها خروجا على التقاليد الراسخة للكنيسة المصرية من عهد مرقس إلى عهد كيرلس. وقد ساعد البابا شنودة على تحقيق مشروعه عاملان: 1. ضعف النظام السياسى. 2. تزايد النفوذ الأمريكى فى مصر.

ضعف النظام السياسى الذى أخذ فى التراجع أمامه خشية إغضاب الولايات المتحدة التى أعلنت نفسها حامية حمى المسيحيين فى مصر، وكما كانت حماية الأقليات من المبررات الرسمية لاحتلال بريطانيا لمصر!

وكانت بداية الالتقاء بين موقف شنودة والموقف الأمريكى فى عهد السادات, حين وقف الطرفان بحزم ضد رغبته فى تقنين الشريعة الإسلامية، الأمر الذى تم بالفعل وكان ينتظر مجرد الإقرار فى مجلس الشعب. ولكن تحت هذه الضغوط (الأمريكية فى المحل الأول) أطاح السادات بالدكتور صوفى أبو طالب رئيس مجلس الشعب، الذى قاد عملية التقنين التى دخلت فى غياهب النسيان حتى اغتيال السادات وحتى الآن. بل فى عهد مبارك تم إدخال مادة مريبة فى الدستور خلال التعديل الأخير عن المواطنة فى محاولة للإلغاء الضمنى للمادة الثانية، التى تنص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع. وأصبح النظام يشير إلى هذه المادة الجديدة كمبرر لعدم مشروعية الأحزاب السياسية وأى نشاط إسلامى له طابع سياسى، وهى بدعة جديدة، أى أن يتم وضع مادة جديدة وكأنها تلغى مادة أخرى دون إلغاء الأخيرة بشكل صريح خوفا من إثارة الرأى العام؟ ومع ذلك فإن كثيرا من الكتاب المسيحيين - فى سابقة تاريخية - أصبحوا يتحدثون ويكتبون صراحة ضد المادة الثانية، ويطالبون بإلغائها، أى بإلغاء الشريعة الإسلامية! وأما المسلمون الذين يطالبون باحترام هذه المادة الثانية (أى الشريعة الإسلامية) فأصبحوا محظورين ومطاردين ومجمدين (حزب العمل والإخوان المسلمين). وأصبح النظام يتراجع بانتظام أمام المطالب الأمريكية ومطالب الكنيسة، رغم انتقاداته الإعلامية لتقارير أمريكا حول الحريات الدينية، وهى سياسة جديدة للولايات المتحدة, أى استخدام هذا التقرير السنوى للضغط على الأنظمة الصديقة والمناوئة على السواء من خلال إدعاء مناصرة الأقليات الدينية. وأصبحت الكنيسة عمليا محصنة ومستقلة ضد تدخل الدولة القانونى فى أى شئون إدارية أو مالية، وأصبحت أجهزة الدولة عاجزة عن أى تدخل فى النشاط الكنسى - البعيد تماما عن العقيدة - كالأنشطة الاجتماعية والرياضية والفنية ومجموعات الدروس الخصوصية، والاجتماعات ذات الطابع النقابى والسياسى التى تحدد موقف الكنيسة كحزب سياسى، خلال الانتخابات العامة والنقابية، وأيضا خلال الأنشطة العامة على مدار الساعة. وإذا كون المسيحيون حزبا سياسيا صريحا فإن ذلك سيكون أفضل من الوضع القائم من عدة زوايا: فالحزب السياسى الصريح سيكون مطالبا بتقديم برنامج عام للوطن لا الاكتفاء بالمطالب الطائفية، وسيكون له مقرات تخضع لكل ما تخضع له الأحزاب السياسية الأخرى، وسيكون له صحيفة تتحدث فى الشئون العامة لا الطائفية فحسب، أما فى الوضع الراهن فقد ارتبط ما هو سياسى بما هو مقدس، ولا يمكن انتقاد هذا الحزب غير المعلن لأنه يعمل داخل أسوار الكنيسة والمبانى العديدة التابعة لها، لأنه سيصبح انتقادا للكنيسة, أى اعتداء على عقيدة ودين الأقلية، وسيتحول الموضوع إلى اضطهاد دينى لا خلاف سياسى. وكل هذه الاعتبارات واضحة فى تقديرات مشروع البابا شنودة فهو يمارس الأنشطة السياسية (ولكن المحصورة فى المطالب طائفية) ويحتمى بدرع الكنيسة كمكان للعبادة! أما الأغلبية المسلمة وقواها السياسية فأصبحت هى المضطهدة، رغم تأميم المساجد والسيطرة على أنشطتها المختلفة بنسبة تصل إلى 100%!! بينما الكنيسة حرة فى أنشطتها وتمويلها الذى ليس له أى حساب رسمى بنسبة 100%.

والمسيحيون المتظاهرون يضربون الشرطة إلى حد إدخال العشرات من الضباط والجنود للمستشفيات, ولا يعاقب أحد (وهذا حادث متكرر), أما الناشط المسلم فلا يمكن أن يفعل ذلك، وإن فعل فإنه يعاقب أشد العقاب فى الميدان ثم فى أحكام القضاء. وحتى كبار رجال الأعمال المسيحيين أصبحت لهم حصانة خاصة مهما فعلوا من أعمال منافية للقانون، خشية الاتهام بالاضطهاد الدينى. وحتى قضية بناء الكنائس التى تحولت إلى قضية ساخنة بصورة مفتعلة، فإن عهد مبارك قد شهد الموافقة على بناء عدد غير مسبوق من الكنائس. وكلما قدمت الدولة تنازلات للكنيسة كلما ارتفعت أصوات المسيحيين بالصراخ من الاضطهاد!! وكلما ازدادت انتقاداتهم العلنية المكتوبة والشفهية للإسلام وشريعته وقرآنه وسنته, والمفترض أن يكون ذلك خطا أحمر لا يتم الوصول إليه بحكم المنطق والكياسة والتقدير السليم للأمور، قبل أن نقول أن الدولة الإسلامية من المفترض ألا تسمح بهذا التطاول على شريعة الأغلبية الساحقة لأهل البلاد. وكما يقول د. يوسف القرضاوى: (وأما مراعاة شعور المسلمين فتقتضى ألا يسبوا الإسلام ورسوله وكتابه جهرة ولا أن يروجوا من العقائد والأفكار ما ينافى عقيدة الدولة ودينها ما لم يكن ذلك جزءا من عقيدتهم كالتثليث والصلب عند النصارى وغير ذلك من مظاهر السلوك).

وهذه من الأمور التى يجب مراعاتها فى بناء الكنائس، أى الحفاظ على الطابع الإسلامى للبلاد، وبالتالى فإن الحديث عن قانون موحد لدور العبادة أمر فيه شطط كبير لأنه لا يراعى هذه المسألة، فالكنائس تبنى بشكل لائق وبما يتناسب مع عدد السكان فى كل مكان، ولكننا نرى الآن ومنذ فترة استخدام المال لشراء مواقع معينة فى مداخل المدن والميادين العامة وبناء كنائس, ثم التوسع فى مسألة المبانى المخصصة للنشاط الاجتماعى بهدف توسيع ركائز المجتمع المسيحى المستقل (دولة داخل الدولة) وهكذا تشترى الكنيسة أراضى واسعة فى سيناء والبحر الأحمر لإقامة الرحلات والمعسكرات. إن خلق كيان مسيحى مستقل داخل الدولة قد يبدو إنجازا يثلج قلوب المسيحيين فى المدى القصير، ولكن هذا سيؤدى على المدى الطويل إلى كوارث طائفية لتمزيق النسيج الموحد التاريخى للمصريين، وتعميق حالة العزلة النفسية، وهذه مقدمة لفتنة طائفية مهولة سيصبح ما مضى من أحداث مجرد لعب أطفال بالنسبة لها. ولعل الإخوة المسيحيين يدركون أنه مع تقدم هذا المشروع الطائفى والانفصالى فإن إحساس المواطن المسيحى بالأمان يتراجع ويتقلص. فلا الأسوار العالية تضمن الأمان, ولا حماية الولايات المتحدة. الأمان الحقيقى فى علاقات المودة والتراحم والبر بين المصريين بعضهم البعض. وأصبحت مجموعات أقباط المهجر هى حلقة الوصل بين الكنيسة والولايات المتحدة، وبالتالى فقيادة الكنيسة لا تحتاج لإقامة صلة علنية مباشرة مع الإدارة الأمريكية، ومن المؤسف أن نقول أن هذه المجموعات التى تحظى برضا قيادة الكنيسة متصلة علنية باللوبى اليهودى الأمريكى وبإسرائيل. وقد قرأنا مؤخرا لرئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية عن دور إسرائيل فى إحداث الفتنة الطائفية فى مصر (نشرنا نصها فى حلقة سابقة). والأمر تطور سريعا فى السنوات الأخيرة فقد زادت لهجة الحديث عن الاستعمار العربى الإسلامى وضرورة تحرير مصر منه، ولا ندرى كيف؟ فبغض النظر عن المغالطات التاريخية والواقعية لهذا الإفك، فهل سيطرد 6% من السكان (حتى وإن كانوا 10% حسب بعض الادعاءات) 90 أو 94% من السكان ويعيدونهم إلى جزيرة العرب وتركيا وبلاد القوقاز.. إلخ, وكيف سنعرف الأصل العربى أو التركى لهذا المواطن المصرى الخبيث؟! أم المقصود هو إقامة دولة مسيحية رسمية على جزء من التراب الوطنى؟! أم المقصود هو إزالة العقيدة الإسلامية؟!

والملاحظ أن أى احتمال من هذه الاحتمالات أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، وهذا يوضح أن الأمريكيين والإسرائيليين يدفعون المسيحيين المصريين إلى الانتحار, ويستخدمونهم كوقود لتمزيق الوحدة المصرية، وإضعاف الكيان المصرى الذى هو أكبر تهديد لإسرائيل وللنفوذ الأمريكى فى المنطقة (على المدى الطويل وليس فى ظل هذا النظام بطبيعة الحال), ووصلت تخرصات تنظيمات أقباط المهجر إلى اتهام النظام المصرى بالوهابية والإسلام المتطرف, وهذا كلام أقرب إلى الهزل والجنون منه إلى كلام العقلاء. فلماذا لا يفكر المواطنون المسيحيون إلى أى منحدر يقودهم هذا المخطط الأجنبى. وهذه اللهجة فى الحديث لم تعد مقتصرة على تنظيمات أقباط المهجر؟ أو على مواقع الإنترنت التى تدار من داخل مصر وخارجها، أو من خلال ندوات الدردشة chatting على الشبكة العنكبوتية، بل صرح بذلك الرجل الثانى فى الكنيسة عندما قال أن المسلمين هم ضيوف علينا فى مصر!! بل لم نسمع من أى مسئول كنسى أى اعتراض على الهتافات المتكررة التى يرددها المتظاهرون المسيحيون داخل ساحات الكنائس بما فى ذلك الكاتدرائية والتى يستنجدون فيها بشارون أو جورج بوش لنصرتهم! بل أصبح المسيحى عندما يدخل فى أى منازعة مع أخيه المسلم، يهدده بالولايات المتحدة!!

وقد كشفت أحداث العمرانية الأخيرة وجود تنظيمات سرية غير معلنة بقيادة الكنيسة لتوجيه المظاهرات فى أماكن مختلفة، وفى توقيتات غير طبيعية كالسابعة صباحا، بل إن مهاجمة المتظاهرين المسيحيين لمبنى محافظة الجيزة، أمر لم يقم بمثيله متظاهرون مسلمون رغم كثرة مظاهراتهم أمام مبانى المحافظات فى السنوات الأخيرة.

وكل هذه الأقوال والتصرفات لا علاقة لها بالإنجيل، الذى يدعو إلى السلم والمحبة واللين، بل نحن أمام نزوع طائفى بالغ الخطر ولا يستبعد العنف (زجاجات المولوتوف على الأقل حتى الآن). المسيحية فى عهدها الصافى أى فى عهد المسيح بن مريم لم تنتشر بهذه الأساليب، ولا بكثرة مبانى الكنائس. والحركة الإسلامية تنتشر فى مصر وهى محرومة من كل المساجد!!

ومنذ عام 2004 حدث تطور خطير آخر وغير مسبوق فى تاريخ مصر، باستخدام الكنيسة لسلطاتها وأديرتها فى احتجاز وسجن المتحولات للإسلام, خاصة إذا كن زوجات لقساوسة. وقد اعتبر ذلك إعلانا رسميا بالدولة المسيحية، والتى إن لم ينحز سكانها فى قطعة أرض واحدة، إلا أن مؤسساتها أصبحت مبانيها وما تحتوى عليه من فضاءات أرض محررة من المستعمرين المسلمين، وهنا تواطأت الدولة مع الكنيسة فى تكريس حق اعتقال المسلمات لإجبارهن على العودة للمسيحية, أو حتى حقها فى اعتقال مسيحيات إذا أخذنا بالقول أنهن عدن للمسيحية، فى عملية اختطاف رهائن بصورة علنية وكأنها عمل مشروع، فاستخدمت أجهزة الأمن سطوتها فى اعتقال المتحولات للإسلام وسلمتهن للكنيسة، ولم يراهم أحد حتى الآن (أشهرهن وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة). وحدث تواطؤ مواز من الولايات المتحدة فهى لم تثر ذلك فى تقريرها السنوى عن الحرية الدينية!!

وحتى الرجال المتحولون للإسلام يلقون مشكلات وتعنتا فى إثبات ذلك، كما أدى الشحن الطائفى إلى زيادة أعمال العنف والقتل ضدهم من الأهالى المسيحيين, وكلما اعتنقت فتاة مسيحية الإسلام جرت المظاهرات على أساس أنها اختطفت، ثم يثبت كذب ذلك (أى الاختطاف), ولكن هذا الأسلوب يتكرر وكأنه يعرقل تحول المسيحيين إلى الإسلام, وهذه نظرة قاصرة لأن العقيدة إذا تملكت المؤمن فلن يحول شىء بينه وبينها حتى الاستشهاد. والمفترض أن أحفاد الشهداء الذين قاوموا الرومان أن يكونوا أكثر إدراكا لهذا المعنى. وهكذا أصبحت حرية الاعتقاد بالإسلام غير مكفولة فى مصر، وهذا أمر عجيب لا ندرى كيف لا يدرك قادة الكنيسة عواقبه الوخيمة.

من كل ما سبق يتضح أن خطورة هذه التطورات أنها ضربت الوحدة الوطنية فى مقتل، فى حصنها الحصين, وهى روح حسن المعاشرة ولطف المعاملة ورعاية الجوار وسعة المشاعر الإنسانية من البر والرحمة والإحسان. لذلك تجد العلاقات بين المسلمين والمسيحيين من كبار السن علاقات طبيعية وودية وصحية أما الأجيال التى نشأت فى الثلاثين سنة الأخيرة فهم فى أحسن الفروض لا يعرفون بعضهم البعض!

ويشكو المسيحيون أحيانا من ممارسات الأمن، وهناك بالفعل ما يمكن أن نسميه "تقلصات" تحدث بين أجهزة الأمن والكنيسة، وهى "تقلصات" لأنها موسمية ولا تقارن بما يمارسه الأمن مع الأحزاب الإسلامية. وهى تحدث لأن الأمن يشعر بأن سيادته المطلقة والمحكمة على رقاب العباد جميعا، مقيدة إلى حد بعيد، فى مجال التعامل مع الكنيسة، والأمن يدرك أكثر من غيره حجم الدولة المسيحية التى تبنى على أرض مصر رغم أنفه، وهو يعالج مسألة الوحدة الوطنية بعقليته الأمنية، ولكنه يهزم عادة فى كل المواجهات لأن القيادة السياسية تنحاز للكنيسة فى نهاية المطاف!! ومن نافلة القول أن نقول أن مشكلة بهذا الحجم والعنف لا يمكن أن تحل فى إطار أمنى ككل المشكلات الكبرى فى البلاد. وأن الصوت الأعلى فى هذه القضية متمثلا فى الإعلام يروج هذه المعضلة عن طريق الإمعان فى علمنة الدولة، وهو الأمر الذى يزيد المعضلة استفحالا.

ونحن لا نملك إلا التوجه للمواطن المسيحى لنقول له أن التوجه إلى الإسلام والعودة إلى شريعته هو التيار الغالب والغلاب، وليس فى مواجهتك بأى حال من الأحوال، فهى عودة للذات وعودة إلى الله، وهو تيار فى مختلف البلاد العربية والإسلامية، كما أن العودة للأصول الدينية تيار موجود فى مختلف بلدان العالم. وإعلان الدولة الإسلامية رسميا فى مصر مسألة وقت قد يطول أو يقصر، ولكنه لن يطول كثيرا فى تقديرنا. ولابد من التفاهم والحوار مع التيار الإسلامى والاستماع إلى رؤيته ودراستها. ونحن نزعم أن الرأى الغالب فيه والذى يسميه البعض الإسلام السياسى لا يضمر لكم أى شر، ويسعى ويرغب فى إعادة اللحمة الوطنية المصرية إلى ما كانت عليه فى إطار إسلامى وليس فى إطار علمانى، فإذا كنت متدينا حقا بالمسيحية، فإن أخوة الإسلام هم أقرب الناس إليك. الولايات المتحدة لا تأبه بالمسيحية وإلا لكانت اهتمت بأخلاقياتها على الأرض الأمريكية، أمريكا لا تعرف إلا مصالحها واستمرار سطوتها وتسلطها على الشعوب. وأنت تعرف رأى اليهود فى المسيح عليه السلام ولا نريد أن نكتب وقاحتهم. وأمريكا وإسرائيل يتفقان على إضعاف مصر واستعمارها بوسائل حديثة، ومن يحب مصر وتربى فى مدرسة الوطنية المصرية وعصر الشهداء من أبرز ملامحها التاريخية، فلا يقبل بهذا المخطط الصهيونى - الأمريكى، وقوة مصر فى اتحاد بنيها. والسير فى هذا المخطط أكبر تهديد لسلامة وأمن وطمأنينة ووطنية المسيحيين، وبديهى أنه ضار بأمن وحضارة مصر. ولا ننفى وجود مشكلات لكم أو مطالب أو هواجس, ولكنها تحل بالحوار والتفاهم وفى الإطار الوطنى. والضمانة الأساسية لذلك أن الله يأمرنا بذلك: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

والبر يعنى أن تعطى صاحب الحق أكثر من حقه, وقد استخدم القرآن هذا اللفظ مع الوالدين فقال عن سيدنا يحيى: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا) (مريم: 14), وقال على لسان المسيح: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا) (مريم: 32), والقسط هو العدل. وليس بعد البر أو العدل ما يمكن أن تقدمه لأى إنسان.

ملاحظة: كتب هذا الموضوع قبل حدوث التفجير المأساوى بكنيسة الإسكندرية والتى راح ضحيته حوالى 18 مواطنا مسيحيا، ونحن إذ ندين هذه الجريمة فى حق الأبرياء من بنى الوطن، نقول أن الإسلام منها براء. ولكن الوفاء لهذه الدماء وهذه الأرواح المصرية يعنى أن نعمل على سد كل الثغرات حتى نمنع تكرارها. وما ورد فى هذه الحلقة تضمن التحذير من كوارث قادمة أكثر مما مضى، كما تضمن رؤيتنا للمواجهة الوطنية المخلصة لهذه المعضلة، وقد أصدر الحزب بيانا بهذه المناسبة طالب فيه بتشكيل لجنة من الحكماء المسلمين والمسيحيين، ذات طابع قومى وغير حكومى، لبحث كل القضايا المتفجرة بهدوء وصراحة فى اجتماعات مغلقة, والتوصل إلى توصيات محددة يتم فرضها على جميع الأطراف بالقوة الأدبية وبقوة الرأى العام المصرى الإسلامى والمسيحى.

الأحد، يناير ٠٩، ٢٠١١

جيل الإنكسارات

أنا من مواليد عام 80، الجيل الحزين الذى شهد جميع الإنكسارات سواء المصرية أو العربية أو الإسلامية

فلسطين، لبنان، العراق وحربى الخليج الأولى والثانية، أفغانستان، البوسنة والهرسك، الشيشان وأخيرا السودان

اليوم يوم حزين للمصريين والأمة العربية والاسلامية

السودان على وشك الانفصال

لم أرى السودان طوال حياتى إلا أننى أعشقها بدون أن أراها فهى أرضى كعربى مسلم وكمصرى قبل كل شئ

برغم الجرائم المتعددة لنظامنا الحاكم فى مصر إلا أننى اعتبر أكبر جرائمه إهماله للسودان وأفريقيا وسوف نعانى أشد معاناة فى المستقبل من هذا الانفصال الوشيك

بعد تفجير الأسكندرية وغضب الأقباط المنظم ودعوات أقباط المهجر لانفصال الأقباط وأصوات من داخل الكنيسة تعتبر المسلمين ضيوفا، هل نشاهد مثل هذا اليوم فى مصر؟

هل يكون تفجير الأسكندرية فى هذا التوقيت لبداية هذا الأمر؟ هل هذا التوقيت لإبعاد مصر تماما عن إنفصال جنوب السودان الوشيك عن الوطن الأم؟

هل ما زال الأقباط يشعرون بأن المسلمين مذنبين برغم كل مشاعر الود والأسى التى أبداها مسلمى مصر بعد تفجير الأسكندرية؟

هل سأعيش طوال عمرى فى إنكسارات لا يفرحنى سوى الأهلى ومنتخب مصر؟ ده حتى يبقى حرام ياخوانا والله

الأربعاء، يناير ٠٥، ٢٠١١

اضطهادات أم مبالغات؟


اضطهادات أم مبالغات؟

سؤال منطقى يتردد فى ذهنى بصفتى مصرى عشت طوال عمرى فى مصر وفى أسيوط حيث تمركز مسيحى ليس له مثيل فى غيره من محافظات مصر وفى حى ملئ بالأقباط، واعقتد أننى بهذا أصلح لأن أكون شاهدا على التاريخ وعما إذا كان هناك فعلا اضطهاد للأقباط فى مصر أم لا؟

خاصة وأن بعض الأقباط وجهاتهم الرسمية هنا وفى الخارج قد بدأوا يحاولون استغلال تفجير الأسكندرية الأخير لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية وهو وقت مثالى فى ظل حكومة ضعيفة تعتمد سياسة التوازنات وترتعد من أية انتقادات قد تأتى من الغرب، وإنها والله فى منتهى الغرابة أن يدعى الأقباط تقصير الحكومة فى حمايتهم وقد قصرت الحكومة فى حماية الوطن كله أمنيا واقتصاديا وسياسيا وفى كل المجالات، ولماذا هذه الضجة من الأقباط واتهامهم للمسلمين فى ظل أن التفجير حصد ثمانية مسلمين اختلطت دمائهم بدماء الأقباط

والحقيقة أننى طوال عمرى لم ارى أى ملمح من ملامح الاضطهاد أو التمييز الطائفى سوى أن بعض أصحاب العمل الخاص سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين يحاولون تشغيل أكبر عدد ممكن من ديانتهم وهم يعتقدون أنهم بذلك يصيبون جوهر الدين ويخدمون الرب أو الله، فيما سوى ذلك حوادث فردية متفرقة لا ترقى لما يتحدث عنه الأقباط اليوم على أنه اضطهاد ممنهج تتخذه الدولة خطا لها خاصة ونحن نعرف جميعا أن النظام فى مصر ليس دينيا، كما أنه بينه وبين التيارات الاسلامية سواء كانت معتدلة او متطرفة ما صنع الحداد

بالطبع زادت هذه الحوادث المتفرقة فى العشر سنوات الأخيرة كنتيجة مباشرة لما يشعر به المسلم من معاملة متميزة يلقاها المسيحى من الجهات الحكومية وفى أقسام الشرطة على عكس ما يدعيه الأقباط، ولقد رايت بأم عينى مسيحيين يهددون مسلمين بأنهم سيقدمون شكاوى ضدهم لأمن الدولة حتى لو كانت الخصومة التى بينهم خصومة عادية ليس لاختلاف الدين فيها أى دخل. كما ان المسلمين بدأوا يشعرون بتوتر فى العشر سنوات الأخيرة والعام الأخير على الأخص بعد القضايا التى افتعلتها الكنيسة المصرية مع الحكومة والمجتمع وخرجت منها منتصرة لتؤكد أنها فوق القانون، والتصريحات التى أدلى بها رجال بارزون فى الكنيسة ضد المسلمين ولم تعتذر عنها الكنيسة

إذا فنحن امام وضع مقلوب، يدعى الأقباط بأنهم مضطهدون وترتفع حناجر جهات خارجية بهذا مما يصور للعالم أننا امام حوادث اضطهاد ممنهج من نوعية تلك التى كانت تحدث فى جنوب أفريقيا أو الولايات المتحدة ضد السود

نحن الآن امام وضع بالغ الخطورة فالمسلمون يشعرون أن الأقباط سيحاولون الاستفادة إلى أقصى قدر ممكن من الظروف الحالية المواتية، والتوتر قد يدفع إلى ما لا يحمد عقباه. الأمل الوحيد هو أن نعود إلى دولة القانون حيث يصبح الجميع سواسية امامه وحيث لا فرق بين غنى أو فقير، كبير أو صغير، مسلم أو مسيحى أو حتى ملحد

الأحد، يناير ٠٢، ٢٠١١

تفجير الأسكندرية فى الميزان



كان علينا جميعا أن نتوقع أن هذا هو نهاية اللعب بالنار وبداية الإكتواء بها

كان على الكنيسة المصرية أن تقتل الإشاعات فى مهدها إذا كانت حريصة على هذا الوطن وتظهر من تدعى أنهن لم يسلمن امام العالم أجمع وعندها سوف تنتهى المشكلة

كان على الكنيسة المصرية أن تعتذر عن تصريحات بيشوى بأن المسلمين ضيوف على مصر لتنتهى المشكلة ولكن البابا شنودة أبى إلا أن يرفض الاعتذار غير مهتما بمصلحة هذا الوطن

كان على الحكومة المصرية أن تتدخل بقوة وحزم مع أى جهة تخرق القانون على أرض مصر مهما كانت هذه الجهة ومهما كان حجم من تحتمى به ولكن الحكومة أبت إلا أن تواصل السير فى طريق التوازنات البغيض وفضلت مصلحتها الشخصية على مصلحة هذا الوطن

والآن على المسلمين جميعا أن يعودوا لدينهم حقا ويعرفوا أن الاسلام لا ينهاك عن الذين لم يقاتلونكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم، الاسلام دين لا يتسامح مع الآخر ولكن يعطى الآخر حقوقه لأن الآخر لم يخطئ حينما عبد الله بطريقة مختلفة فليس له علينا مسامحته بل له علينا حقوقا يجب الالتزام بها

يجب أن نكف عن الكلام الفارغ من نوعية الوحدة الوطنية والهلال مع الصليب وعنصرى الأمة، لدينا مشكلة ساهمنا جميعا فى خلقها وعلينا جميعا أن نساهم فى حلها وإلا ستغرق بنا المركب جميعا

نحن جميعا لعبنا بالنار والآن علينا جميعا أن نكتوى بنارها وربنا يستر