الأربعاء، يناير ٣٠، ٢٠٠٨

هل العلمانية فى صلب الدين؟

العَلمانية في صلب الدين
بقلم: رياض الحسيني / كاتب وسياسي عراقي مقيم في كندا

ميدل ايست اونلاين: اول مايتبادر الى الذهن حين يتلّقى السامع المسلم على وجه التحديد مصطلح "العَلمانية" على انها "الكفر" بعينه وعيانه! واذا ما وصف الانسان منا نفسه بالعَلمانية او خلع صفة العَلماني على غيره فان ذلك سيكون له مردود اجتماعي سئ وربما سياسي ايضا، وذلك نظرا للظروف البيئوية العربية التي تفتقد الى المعرفة ولو الجزئية منها بمبادئ العَلمانية الحقة من جهة، والتشويه الذي تعرضت له العَلمانية نفسها من جهة اخرى. هذا فضلا عن افتقار العَلمانيين انفسهم لابسط مبادئ واساسيات التسويق الصحيح لافكارهم في المجتمع التي هي اصلا من صلب الدين وافكار النظرية الالهية!
في المجتمع العربي ما ان تقول انك عَلماني، حتى تنتفخ اوداج الاخرين ويجزموا انك "كافر" و"شيوعي ملحد"! ولايقف الامر عند هذا الحد بل يتعداه الى حملة تشهير ضدك ليصل بك المطاف في النهاية الى زاوية من هذا العالم تلازمك حتى اللحد! فكم من اناس جاهروا بعَلمانيتهم وراحو ضحيتها؟ وكم من اناس جاهروا بعَلمانيتهم الماركسية ولم يفلحوا في تسويق افكارهم الاجتماعية البناءة فصاروا في طي النسيان؟ وكم من مثقفين ومفكرين يلزمون بيوتهم الان ولايختلطون في المجتمع العربي والاسلامي لانهم لم يجدوا الا الصدود والاتهامات الجاهزة والرمي بالكفر الصريح؟ وكم من زوجة طُلّقت من زوجها على هذا الاساس؟ وكم من وطني صادق فرَّ هاربا من وطنه وترك الساحة لادعياء السلم والبناء؟ لعمري كثير ماهم!
العَلمانية - بفتح العين "secularism"
تعني بالاصل "المدنية"، بل ذهب البعض بعيدا في هذا المعنى ففسّرها "اللادينية" ثم تطور المعنى ليصل الى "الكفر" بالله جل جلاله، "تعالى الله عما يصفون علوا كبيرا". ربما جاء هذا المعنى لان المبادئ العَلمانية قد تبنت الثورة على الكنيسة التي كانت تمارس الرفض لكل العلوم الانسانية والتطور العلمي ليصل الى درجة حرق العلماء وتدمير مكتاباتهم وابحاثهم وكل ماله صلة بالعلم والتطور الانساني. هذا التزامن المح للاخرين فضلا عن تبني الكنيسة نفسها لمحاربة هذه الفكرة اصلا ليُروّج على ان العَلمانية هي ضد الدين والمتدينين! وتطور هذا المتبنى من قبل العَلمانيين العرب ففصلوا الدين كليا عن الدولة، وبذلك كانوا اشد تطرفا من العَلمانيين الغربيين الذي يكنون للكنيسة اليوم اشد الاحترام رغم مالاقوه وعانوه منها على مدى عقود من الزمن، بينما لم ير العَلمانيين المسلمين من الاسلام الا الخير والمودة والاحترام! لذا كانت النخب العَلمانية من العرب والمسلمين عاملا كبيرا في ترسيخ فكرة ان "العَلمانية ضد الدين" لدى العامة من الناس، مؤكدين لهم عمليا انهما خطان لايلتقيان ابدا بل ويتقاطعان في كل شئ حتى الاخلاق والاداب العامة!
نعم العَلمانية تفصل الدين عن الدولة "ايدولوجيا"، وهذا الموضوع من السعة لامجال لمناقشته الان! لكن الحقيقة الميدانية تقول ان الدين ليس مفصولا عن الدولة في النظام العَلماني الغربي وان فهم العَلمانيون العرب ذلك خطئا او صرّح به العَلمانيون الغربيون انفسهم! فأصل الدين هو التكافل الاجتماعي وحفظ الحقوق الادمية، وفي هذا الاطار فللامام علي بن ابي طالب موقف حيث يقول فيه حينما مر على نصراني يتكفف الناس، فقال لعامله على بيت المال "استعملتموه حتى إذا أهلكتموه تركتموه يتكفف"؛ ثم أمر له بعطاء من بيت مال المسلمين. بيد ان الشريعة الاسلامية السمحاء تُقر ان اقامة دولة عَلمانية عادلة اولى بالاتباع والمحافظة عليها من اقامة دولة دينية على اساس الظلم والجبروت والقهر وتضييع الحقوق وقطع الانساب وتضييع الاحساب
العَلمانية تدعو الى الاحترام المتبادل والفكر الحر وحرية العقيدة والمذهب، ومبادئ العَلمانية تقوم على اساس بناء المجتمع المدني الذي لايجب ان يكون فيه ضرر وضرار. أوليست هذه هي العَلمانية الميدانية اليوم؟ من المفارقة العجيبة اننا نجد الذين يستجدون الناس لايقفون الا على ابواب المساجد في بلداننا الاسلامية التي تدّعي تطبيق الدين والشريعة وتناهض العَلمانية وتصفها بالكفر، ولانجد من يفعل ذلك على ابواب الكنائس في الغرب حيث العَلمانية الحقة؟ الاغرب ان نظام التكافل الاجتماعي وهو من صلب النظرية الاسلامية ليس له من وجود في البلاد الاسلامية وثغورها بينما يتجسد بكل معالمه في الدول العَلمانية الغربية! في الدول الاسلامية تُشرّع القوانين وتُفصّل الفتاوى على مقاسات الحكّام! بينما في الغرب العَلماني الكل سواسية كأسنان المشط ولا احد فوق القانون وهو تشريع من صلب النظرية الاسلامية التي طالما دعا لها رسول الله (ص) ومن جاء من بعده من الصحابة والمصلحين
الحق يُقال ايضا ان العَلمانيين العرب والمسلمون لم يأخذوا من الغرب في نشر الافكار العَلمانية في المجتمعات العربية والاسلامية الا قشورها وليس الاصل الذي يقوم على اساس العدل والمساواة وحفظ الحقوق وسيادة القانون، فروّجوا للاباحية اكثر وللفسق والفجور بمحل ثبت للجميع فيه على ان العَلمانية "كفر والحاد"! فحتى تكون عَلمانيا يتوجب عليك ان تفنّد صدق القرآن الذي يؤمن به مايفوق على المليار مسلم! ولتكون ممن يتبنى المبادئ العَلمانية فيتوجب عليك تسفيه معتقدات الناس والهزء بافكارهم وعاداتهم وما اعتادوه من تقاليد وقيم راسخة! وحتى تكون قياديا عَلمانيا فيجب عليك ان تسفّه اراء الرسول الكريم (ص) وتحط من قدره سواء بالكلمة او برسم كاريكاتوري
الفرق بين العَلمانيين العرب ونظرائهم من الغربيين هو ان العَلماني العربي يجد في الدين جمعا آفة ضارة يجب وأدها والخلاص منها، بينما ينظر العَلماني الغربي الى الكنيسة رغم مالاقاه منها على انها ركيزة اساسية من ركائز المدنية واداة من ادوات حفظ وحدة المجتمع المدني ولبنة من لبنات المفاهيم العَلمانية التي تتبنى حفظ الحقوق المدنية واشاعة روح الجماعة وحرية المعتقد والفكر والممارسة ضمن القانون
أوليست هذه الافكار هي افكار اسلامية؟ ماالذي يريده دعاة اقامة الدولة الدينية؟ اوليس يريدون مجتمعا ليس فيه للقوي غلبة على الضعيف، مجتمعا يحكمه القانون وليس احكام الغاب، مجتمع اساسه التصالح والمحبة والسلام، مجتمع تتحكم فيه المساواة وحرية المعتقد؟ الم يقل الله في محكم كتابه الكريم "لا أكراه في الدين"؟ أولم يقل الرسول الاكرم (ص) في تفسيره لمعنى من معاني الاسلام انه "لاضر ولاضرار"؟ ألم تقل فاطمة الزهراء في هذا المعنى الكثير ومنه حين وصفت القفزة النوعية في المجتمع العربي في تبني الافكار المدنية حيث قالت "وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام. تشربون الطرق وتقتاتون القِدَّ والورق أذلّةً خاسئين. تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تعالى بمحمد (ص)". وعلى صلة بهذا المفهوم يقول رسول (ص) "انما بُعثت لاتمم مكارم الاخلاق". أوليست مكارم الاخلاق هنا هو بناء المجتمع المدني، مجتمع لاضرر ولاضرار؟ ألم يقل الرسول "مروءة الاسلام العمل الصالح"؟ وكذلك قال (ص): "الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله". فهل بعد ذلك من كلام يُقال حول مفهوم العَلمانية اليوم وتلاقيها مع المفاهيم الاسلامية الصحيحة؟
الحقيقة الميدانية تقول ان الجزء الطيب من العَلمانية الغربية هو في الاصل اساسيات الدين الاسلامي واركانه بينما تبنى العَلمانيون العرب الجزء الضار منها كما هي العادة في كل مستورد. اما أغلب دعاة الدولة الدينية فأكاد أُجزم انهم لايفقهون الكثير عن الدين الاسلامي فضلا عن العَلمانية، وبذلك فقد بدا كلا الفريقين جازما بصلته القوية بمعتقده بينما يُجزم كاتب السطور كما الشاعر العربي حيث يقول: وكل يدعي وصلاً بليلى... وليلى لا تقر لهم بذاك
فهل فعلا العلمانية في صلب الدين؟

هناك ٥ تعليقات:

AUTISM يقول...

موضوع رائع وعجيبة يا كاسبر يعني غيرت رأيك في العلمانية ولا ايه
علي العموم بكل بساطة العلمانية ليست موقف تجاه الدين وللأشف دائما تجد حرب شعواء علي العلمانية من المتدينيين ووصفها بأنها كفر والحاد بدون معرفة حقيقية لمعني العلمانية
العلمانية هي تخليص المجتمع او الدولة من اي صبغة او اتجاه ديني او عرقي
يعني هي تعايش ومدنية
وليست لها علاقة بالدين
اما كون الدين يتفق معها فهذا شئ مبشر وكون الدين يجبر معتنقيه علي تحويل مجتمعهم الي مجتمع عقائدي وونبذ الآخرين فهذا ضد العلمانية
وشكراااا

Ehab يقول...

لم أغير رأيى ولا حاجة هو ده رأيى من زمان أن هناك علمانيين متطرفين لا يقبلون الحوار ويتهمون الدين بأنه السبب المباشر لما نحن ما فيه من تخلف بالضبط كما يوجد متدينين متطرفين يفهمون الاسلام فهما خاطئا ويتهمون من لا يتفق مع فهمهم للدين بالكفر والالحاد
فإذا كانت العلمانية تدعو إلى العدل والمساواة فاهلا بها أما اذا كانت تدعو إلى الانحلال وإنكار الدين فلا أهلا بها ولا سهلا
وشكرا على تعليقك يا عزيزتى

أبو الفـــداء يقول...

أتفقك معك بشدة...

وأرى أننا في عالمنا العربي بحاجة إلى النظر إلى بعض الأسماء والمسميات من جديد...

وبعيدا عن نظرة التعصب...ووالجمود

شكرا لك

غير معرف يقول...

بسم الله
و الصلاة والسلام على نبي الله وعلى االه وصحبه و من والاه
اما بعد
الاسلام و العلمانية مزيجان متناقضان لا يتلاقيان لان الاسلام نضام كامل و العلمانية كذالك و قد بنى سيدنا رسول الله من قبل دولة القانون والمؤسسات و شرع الله هو محركها اما ما يعبر عنه بالعلمانية فهو نضام اسس لاصلاح ما افسده دين الباطل اي المسيحية
و من المستحيل ان ندخل نضام غر الاسلام على دين الاسام لان هذا يعتبر تكذيب و قدح في قانون الملك /الله/ اما ان اردت ان تطبقه على غير ديار الاسلام فذالك خير .لان ذالك اصلح لهم من الذي قيل فيه انه من عند الله . ولنتفكر دائما ان الاسلام ارتقى بساسة الاغنام و رعاة الغنم الى اسياد العالم وقدوة الامم
ان الحل بيدنا ان رجنا الى ديننا وفقنا الله و ارجعنا اسيادا و ان ضللنا على غير ذالك سوف نضل رعاة اغنام

غير معرف يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم
ممكن اقولك راى انت عمال بتهاجم قناة الناس والشيوخ اللى فى قناه الناس وبقولى ان هما فتاوى تافه عيب عليك لما تقول على الكلام اللى بيجبوا من القران والسنه فتاوى تافه
انت تروح بقى تهاجم جمال البنا اللى بيدعى الفتاوى التافه زى السجاير فى نهار رمضان مش حرام وان الحجاب مش فريضه ولا مقياس وكمان بيفسر القران على هواه خطا ده اللى مممكن تروح تهجمه مش الشيوخ اللى بيقدمه روحهم لاسلام وبدون اى مقابل مدى كما تدعى
اتقى الله