الأحد، ديسمبر ٠٤، ٢٠١١

أزمة شرعية

المختصر المفيد أن لدينا أزمة شرعية مستحكمة الآن،
والأزمة تأتى من أن المجلس العسكرى ومن يؤيد بقاءه فى السلطة حتى نهاية شهر يونيو القادم يرون أن التحرير يفتقد إلى الشرعية وأنه لا ينبغى أن يفرض شروطه ومطالبه على جميع المصريين.
على الجانب الآخر يرى ثوار التحرير أن الشرعية من الميدان الذى نحى مبارك وأن المجلس العسكرى يستمد شرعيته من الميدان وأن هذه الشرعية قد سقطت بعد ما رأيناه طوال عشرة شهور من سوء إدارة للبلاد من المجلس العسكرى وحكومة شرف وقراراتهما المتوالية ضد الثورة وأهدافها، وكانت القشة التى قصمت ظهر البعير ما رأيناه خلال فض اعتصام مصابى الثورة من ضرب وسحل وقتل.
والحل الأنجح فى رأيى هو ما جاء فى بيان حزب العمل الأخير من مطالبة المجلس العسكرى بتسليم السلطة فى الخامس والعشرين من يناير القادم لحكومة مشكلة من قبل البرلمان المنتخب من قبل الشعب، وفى هذه الحالة لن يستطيع أحد أن يشكك فى شرعية البرلمان المنتخب وأنه يمثل جميع المصريين.
وقد خرجت بعض الأصوات وخاصة من المجلس العسكرى تقول بأن البرلمان القادم ليس من حقه إسقاط حكومة الجنزورى أو تشكيل حكومة جديدة بحجة أن الاعلان الدستورى لا ينص على ذلك وأن مصر دولة رئاسية وليست برلمانية، وهو أمر مستغرب من المجلس العسكرى خاصة وأنه أول من كسر بنود الإعلان الدستورى وضرب بها عرض الحائط عندما استمر فى السطة حتى الآن بالرغم من أن الإعلان الدستور ينص على تسليم السلطة خلال ستة أشهر فقط أى فى شهر سبتمبر الماضى وهو ما لم يحدث بالطبع، كما أن المجلس العسكرى يمطرنا كل يوم بمواد وإعلانات دستورية فلما لا يعدل الإعلان الدستورى ليناسب هذا الحل ويخرج بالبلاد من هذه الأزمة خاصة وأنه صرح مرارا وتكرارا أنه لا يريد الاستمرار فى السلطة؟
لقد رأينا فى الأيام الأخير أن الاستقرار يأتى من الديمقراطية وتسليم السلطة إلى الشعب وبرلمانه المنتخب فى هذه الفترة الحرجة هو الديمقراطية بعينها وغير ذلك يدفع البلاد إلى مزيد من الفوضى والأزمات المتتالية.
ما يثير الاشمئزاز فعلا هو هذه الإدعاءات والإفتراءات المتتالية من الاعلام الرسمى لثوار التحرير بأنهم بلطجية ومأجورين وخلافه وكأننا ما زلنا فى أيام نظام مبارك، مرت شهور عديدة منذ اتهام المجلس العسكرى ووزير العدل بأنهم على وشك فضح من يتلقون اموالا من الخارج وأنهم سيثبتون هذا بالأدلة القاطعة ومع هذا لم نرى شيئا سوى توالى الإدعاءات والإفتراءات بلا دليل. إن ما يحدث من الإعلام الرسمى ما هو إلا عهر سياسى منظم وموجه واتهام اطهر شباب فى مصر بأنهم موجهون وعملاء بدون دليل هو حملة منظمة ضد هؤلاء الشباب يعاقب عليها القانون إذا كان فى هذه البلد قانون.

الثلاثاء، نوفمبر ١٥، ٢٠١١

القتل المبرر أخلاقيا

بسم الله الرحمن الرحيم

ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا

صدق الله العظيم

لم يعمل آل باتشينو وروبرت دى نيرو سويا كثيرا فى السينما الأمريكية بل كانت مرات قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، ولكن عندما يعملان سويا فعليك أن تشاهد هذا الفيلم جيدا بل وتشاهده أكثر من مرة.

والقتل المبرر أخلاقيا أو Righteous Kill هو آخر فيلم شاهدته وربما كان آخر فيلم لهما سويا لا أدرى على وجه التحديد ولكنه فيلم يدعوك للتأمل العميق فالفيلم يتحدث عن شرطيان يعملان بجد واجتهاد للقبض على الخارجين على القانون ولكن فى أغلب الأحيان يستطيع هؤلاء الفاسدون تبرئة أنفسهم عن طريق ثغرات فى القانون، فيفكر أحدهما فى قتل كل من يثبت له أنه كان مجرما ولكن لم يستطع القانون إثبات ذلك.

وقد دفعنى موقف الثورة المصرية الذى لا تحسد عليه الآن إلى التفكير وخاصة بعد قرار المحكمة الإدارية العليا المثير للجدل بأحقية فلول وفاسدى الحزب الوطنى فى الترشح فى الانتخابات البرلمانية ليواصلوا إفساد الحياة السياسية فى مصر.

هل كان الثوار الليبيون فى حاجة لمحاكمة القذافى؟ لقد كان الجرم مشهودا ومعروفا فلماذا المحاكمات الهزلية والسفسطة؟ كلنا يعلم ماذا فعل القذافى طوال 42 عاما من حكمه البغيض.

وبالمثل هل نحتاج فى مصر لمحاكمة مبارك وفلوله وأعوانه من الفاسدين والمنافقين واللصوص والخونة والأفاقين؟

هل ينقصنا الدليل على إجرام مبارك وأعوانه فى الحكم وإفسادهم فى الأرض؟ هل نحتاج إلى شهود ونحن الشهود والضحية؟

هل علينا أن ننتظر حتى نرى هذه المحاكمات الهزلية والمسرحيات المثيرة للغثيان لمبارك وأعوانه؟ بل ويزيدون الطين بلة بمحاكمة الثوار أمثال علاء عبد الفتاح وأسماء محفوظ وأحمد عبد الكريم وغيرهم من النشطاء محاكمات عسكرية سريعة وعاجلة وأحكام واجبة النفاذ فهذا هو الظلم والعهر بعينه.

هل علينا أن ننتظر حتى يعود بنا المجلس العسكرى وحكومة شرف الغير شريفة إلى عهد مبارك؟ لقد أغرقوا البلاد فى دوامة من الأزمات المتكررة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وفعلوا كل شئ لإجهاض هذه الثورة.

لقد بلغ السيل الزبى ولم يعد فى قوس الصبر منزع من تصرفات المجلس العسكرى الغبية والمتواطئة والآن على الشعب المصرى أن يأخذ حقه بيديه، لم نعد فى حاجة إلى محاكمات، فقط نحن فى حاجة إلى تطبيق آيات الله وكما وعدنا الله فإننا منصورين بإذن الله ولكن علينا ألا نسرف فى القتل.

الثلاثاء، يونيو ٢١، ٢٠١١

الليبرالية فى مصر عرجاء وفى عينها حول

لم أجد يوما تناقضا بين الاسلام الصحيح وبين مبادئ العلمانية أو الليبرالية الغربية، فالاسلام الصحيح كان أول من دافع عن حرية العقيدة (لكم دينكم ولى دين)، وأول من دافع عن حرية الفرد والإبداع والفكر ولا نحتاج إلى دليل فى هذا فقد وصلت الحضارة الإسلامية إلى قمة التقدم والإزدهار فى وقت كانت تسبح فيه اوروبا والعالم المتحضر الآن فى غياهب الجهل والتخلف، بل كانت الحضارة الإسلامية فى وقت تقدمها وإزدهارها لا تبخل على الحضارات الأخرى بعلومها وفنونها على عكس الحضارة الغربية الآن القائمة على المنفعة والمصلحة وليس حقوق الانسان كما يدعون.

قلت فى أول مقالى الليبرالية الغربية لأن الليبرالية عندما وصلت إلى الشرق أصبحت عرجاء وفى عينها بعض الحول الذى يستوجب تكوين فريق من الأطباء للكشف عليها إلا أننى اشك فى نجاح العلاج فقد وصلت الحالة إلى مراحل متأخرة.

الليبراليون العرب وخاصة المصريون يرون الليبرالية والعلمانية ضد الدين الإسلامى فقط وليس أى دين آخر، ولو كانوا على مسافة واحدة من جميع الأديان لاحترمتهم برغم أن الليبرالية فى أصلها ليست ضد الدين الإسلامى ولا أى دين آخر، ودليلى على ذلك هو ثورة العلمانيين والليبراليين بعد الثورة ضد التيارات الإسلامية وتسقطهم لتصريحات وأفعال مسئوليها.

قد يتهمنى البعض أن كلامى بدون دليل ولكن الأدلة موجودة ولكننا فقط لا ننتبه لها وأدلتى قبل الثورة وبعدها، مثلا قامت الدنيا ولم تقعد فى الاعلام والفضائيات من أجل أذن القبطى التى قطعت ولم ينبس أحد ببنت شفة من أجل الفتاة التى أسلمت وقتلها إخوتها الأقباط هى واطفالها، فقط بلال فضل الذى أثار القضية وتساءل أين الاعلام منها ولكن لا مجيب.

أيضا علق الجميع على تصريحات صبحى صالح الغبية والمستفزة ونصبوا للرجل المشانق واستدلوا من تصريحاته على خبث نية الاخوان ولكن لم يعلق أحد على تصريحات نجيب ساويرس غير الموفقة بأن على الأقباط عدم الانضمام لحزب العدالة والحرية التابع للاخوان ولا على محاولة نجيب ساويرس الغامضة تمويل بعض الأحزاب الناشئة بدون سبب واضح وباعتراف هذه الأحزاب.

ثار الجميع ضد إحراق كنيسة إمبابة ولكن لم يسأل أحد ولم يبين لنا التحقيق الذى فتح بعد الحادث لماذا كانت فتاة أعلنت إسلامها محتجزة داخل الكنيسة وبأمر من؟

قبل الثورة ثارت ثائرة العلمانيون والليبراليون والحقوقيون والمدافعون عن حرية الفكر والإبداع على مجرد انتقاد حصول القمنى على جائزة الدولة بينما لم نرى هؤلاء المدافعين عن الحرية ينتقدون موقف النظام من الاعتقالات والمصادرات التى طالت الاخوان برغم أنهم فصيل سياسى مسالم كأى فصيل سياسى آخر فى مصر، كما لم نرى لهم موقف من مصادرة كتب وفكر التيار الإسلامى أو تجميد حزب العمل الإسلامى وجريدة الشعب لمجرد تصديه لفساد النظام الغابر.

والعديد من الأمثلة التى تعطينا أدلة وإشارات واضحة أن الليبرالية فى مصر ضد الاسلام على طول الخط ليس لأنها كذلك ولكن لأنها قد وصلت إلى الشرق تعرج ولا ترى سوى بعين واحدة.

هذا التناقض فى الفكر والمواقف يجعل التيار الإسلامى السياسى فى مصر فى تحفز دائم ضد التيارات الليبرالية والعلمانية كما أنه يجعل رجل الشارع العادى يظن الظنون بالعلمانية والليبرالية بالرغم من أنهما كمناهج وأدوات فى الغرب لا غبار عليها.

ويأسى من العلاج يأتى من أن نقاشى مع أى ليبرالى شرقى لم يجدى نفعا يوما ما، فمثلا عندما فرحنا جميعا بسيطرة المحاكم الاسلامية على الصومال واستبشرنا خيرا بإنتهاء القتال فى بلد عربى وإسلامى مهم وذو موقع إستراتيجى جائنى ليبرالى حزين لإنتهاء القتال هناك لصالح المحاكم الإسلامية لأن أى شاب هناك لن يستطيع أن يمشى مع حبيبته إلى محطة الاتوبيس، وقد هنأت صديقى الليبرالى بعد تجدد القتال فى الصومال مرة أخرى فالآن يستطيع العشاق فى الصومال أن يمشوا فى الشوارع كما يشاؤون ولكن فقط عليهم أن يتجنبوا طلقات الرصاص ودانات المدافع.

كما يحضرنى أيضا دليلا على كلامى ما أورده الأستاذ نهرو طنطاوى فى كتابه الجديد النظام المدينى وزوال الديمقراطية لجزء من مقال للدكتور عبد "الرحمن جمجموم" يقول فيه (قبل اختراع الشبكة العنكبوتية كنت أظن أن العلمانية أو الليبرالية وجهة نظر جديرة بالاحترام .. ولما قرأت للعلمانيين ورأيتهم عن قرب .. وجدت العلمانية أكذوبة والليبرالية هراء .. الضحالة والتفاهة والغباء والسفاهة ديدنهم .. هو الكفر القديم القبيح بلباس جديد ليس إلا.. أحدهم مثقف مصري سافر إلى تونس في أيام الرئيس أسوء الكافرين "زين العابدين" .. وسعد أيما سعادة ألا يرى متحجبات .. لم ير صاحبنا مظاهر الفقر والقهر والحديد والنار .. كل ما رآه وأسعده اختفاء النساء المتحجبات!! هل رأيتم كيف يقيم المثقف الليبرالي الأمور!؟؟ ولهذا أشفق كثيراً على من يتصدى للعلماني بالتنظير المنطقي والتاريخي والتحليلي .. الموضوع أبسط من البساطة: يرى العلماني أن حكم التيار الإسلامي يعني نساءً متحجبات يخفين مفاتنهن .. أما العلمانية والليبرالية فتعني نساءً فاتنات دلوعات يلبسن المايوهات .. والفاتنات الدلوعات أجمل وأكثر جاذبية من المتحجبات بطبيعة الحال .. إذن الليبرالية والعلمانية "أجدع" .. هكذا يقيم العلماني العربي الأمور .. ولهذا يتحيز ضد التيار الإسلامي!! أقسم بالله غير حانث أن ذلك هو مبلغ علم العلماني العربي. فيا من تأتون بالمراجع وتدبجون المقالات والحجج والنظريات والفلسفات لإقناع العلماني العربي بوجهة نظركم أو لدفعه إلى التفكير بطريقة مختلفة .. إنما تحرثون ماءً). "انتهى كلام الدكتور جمجوم"

وانتهى كلامى أيضا والله من وراء القصد

الثلاثاء، مايو ١٧، ٢٠١١

بين حد الردة وسجون الكنيسة

هل من العدل أن نطالب غيرنا بالالتزام بما لا نؤمن به؟
هل من الإنصاف أن نطالب إخوتنا الأقباط شركاء الوطن والكنيسة المصرية ورأسها البابا شنودة بالإيمان والالتزام بمبادئ حرية العقيدة فيما يؤمن 90% من المسلمين إن لم يكن أكثر بحد الردة؟
سؤال آخر يواجهنا كمصريين إذا أردنا حلا لمشكلة تنظيم مبدأ حرية الاعتقاد فى مصر
فى الحقيقة من يقرأ القرآن لا يجد أثرا لحد الردة بل على العكس يجد العديد من الآيات التى تعزز مبدأ حرية العقيدة
يقول الله تعالى "لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم" البقرة 256
ويقول أيضا "
يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" البقرة 217
ويقول "
إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا" النساء 137
وقوله تعالى‏ "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" يونس 99
كما يقول الله تعالى فى آية واضحة جلية بأنه لا يجوز قتل النفس البشرية - أى نفس - إلا فى حالتين "
من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" المائدة 32

أما الحديث فإن حد الردة فيه واضح جلى فى أحاديث صحيحة وخاصة حديث من بدل دينه فاقتلوه وحديث لا يحل دم امرئ مسلم إلا إحدى ثلاث: النفس بالنفس والمحصن الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة

هل هناك تعارض بين القرآن وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

أهل الحديث وجمهور العلماء قالوا بأنه لا تعارض وأن حد الردة موجود إذ أن أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام الصحيحة مفسرة لآيات القرآن وأن الآيات المذكورة قد نزلت في أن من لم يدخل الاسلام فلا يكره على دخول الاسلام أما من دخل الاسلام ثم ارتد فإنه يطبق عليه حد الردة وهو القتل،
وهو ما يخالف الآيتين الثانية والثالثة عاليه حيث لم تذكر الآيتين أية عقوبة دنيوية للمرتد

أما القرآنيين وهم ينكرون الحديث بالكلية فإنهم أنكروا حد الردة تماما إستنادا إلى آيات القرآن فقط

بعض العلماء أمثال الدكتور العوا رأوا أن عقوبة الردة عقوبة تعزيرية متروكة للحاكم حيث له فيها ان يحكم بالقتل أو لا

والبعض الآخر قال أن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عن تبديل الدين ومفارقة الجماعة هو حديث عن العهد أى أن الدين هنا قد ورد بمعنى العهد والاتفاق وهذا ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام مع اليهود حين نقضوا عهدهم معه وحاربوا دولة المدينة فحاربهم وصادر أموالهم

علماء آخرين ذهبوا إلى أن آيات القرآن تقيد الحديث بأن عقوبة القتل إنما تجب على تارك دينه المفسد فى الأرض أو كما ورد فى الحديث المفارق للجماعة فقط، أى الذى يرتد عن الاسلام ثم يحارب الاسلام ويفسد فى الأرض وقد جاء هذا الفهم بقراءة الحديث فى ضوء القرآن الكريم وليس العكس كما أنه لم يثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام قتل أى مرتد إلا الذى ثبتت عليه جرائم الإفساد فى الأرض أو قتل المسلمين أو خيانتهم والمظاهرة عليهم

بعد أن أوردت هنا جميع الأراء الواردة فى حكم الردة بقدر الإمكان يمكن أن أقول أنه عقليا ومنطقيا لا يجوز لنا نحن المسلمين أن نطالب الكنيسة أن تلتزم بحرية العقيدة والكف عن إحتجاز من يغيرون عقيدتهم - إذا ثبت ذلك - ما لم نلتزم بها نحن أولا
بالطبع أنا مستعد لسماع جميع الإتهامات لمن سيقرأ كلامى بداية بالضلال والفساد ومخالفة السلف وجمهور العلماء وإنتهاءا بالكفر والإلحاد مثلما كنت مستعدا لإتهامات بعض الإخوة الأقباط والليبراليين والعلمانيين عندما هاجمت الكنيسة ومواقفها بداية بأننى انضميت للتيار الإسلامى وأننى لم أعد ليبراليا وإنتهاءا بأننى إرهابى وسلفى ورجعى وما إلى ذلك، لكن هانعمل ايه هى دى مصر
والله من وراء القصد

الأربعاء، مايو ١١، ٢٠١١

الفتنة الطائفية مرة أخرى

مرة أخرى وألف وألفين
لماذا؟
لأسباب عديدة أرى أن أول هذه الأسباب وأهمها هو عدم إيمان الكنيسة المصرية بحرية العقيدة وتعنتها الشديد، كنا نظن أن ما يدعيه بعض المتشددين الاسلاميين على الكنيسة باحتجاز هؤلاء الذين تخلوا عن المسيحية محض افتراء إلا أن الكنيسة بما فعلته فى أزمة إمبابة أكدت لنا أنها بالفعل تحتجز بعض الذين يتحولون عن المسيحية
إن رفضنا للاعتداء على أى دور عبادة لا شك فيه وليس محلا للشك ولكن عندما يصبح دور العبادة سجنا للذين يريدون تغيير عقيدتهم عن اقتناع فإن دور العبادة فى هذه الحالة يصبح شيئا آخر
كما أن محاولة بعض الأقباط استغلال الأزمة التى هم من بدأوها بإدخال السفارة الأمريكية فى الأمر هو حماقة أخرى تضاف لسجل حماقات بعض الأقباط الذين يدفعون بهذا الوطن إلى الهاوية بمواقفهم المتشددة
بالطبع لم يناقش الاعلام المصرى كالعادة فى معالجته للأزمة السبب الرئيسى للمشكلة وهو احتجاز مصرية رغم إرادتها داخل مبنى تابع للكنيسة وهذا هو ما ينبئ عن تكرر المأساة لأننا لا نناقش جذور المشكلة ونحاول أن نجامل وهى والله مصيبة كبرى
على الكنيسة أن تكف عن هذه الأفعال الصبيانية التى لن تفيد أحدا فخروج واحد أو اثنين من المسيحية لن يضير المسيحية فى شئ وعلى المسلمين ألا يتجمهروا أمام أى كنيسة حتى لا يعطوا ذريعة لأحد وأن يتركوا الأمر للشرطة والقضاء
وعلى الجيش والشرطة والنيابة والقضاء تطبيق القانون على الذين تورطوا فى هذه الأزمة مهما كانت شخصياتهم والكشف عن ملابساتاتها، بمعنى أننا نريد أن نعرف من المسئول عن احتجاز هذه المواطنة المصرية، هل هى أوامر رأس الكنيسة المصرية؟ هل سياسة الاحتجاز سياسة عامة تنتهجها الكنيسة؟ أم أن هذا الاحتجاز مجرد اجتهاد شخصى من كاهن كنيسة مارمينا؟
وإذا كنا نريد لهذه المأساة ألا تتكرر علينا ان نضع قانونا ينظم حرية الانتقال بين العقائد وأن يلتزم الجميع به والله من وراء القصد

الخميس، أبريل ٢١، ٢٠١١

النزق الثورى والأمن

استعير هذه الكلمة من بلال فضل لتكون أفضل تعبير لما نحن فيه الآن
هذا النزق الثورى هو الخطر الآن الذى يهدد ثورة من أنجح وأنبل الثورات فى العالم، هذا الحماس المحموم لتغيير كل شئ
لقد نجحنا أن نحقق كل مطالبنا من إزاحة نظام مبارك ورجاله بل ومحاكمتهم ووضع حكومة جديدة لتسيير شئون البلاد وإنهاء دستور 71 وإعلان دستورى جديد تمهيدا لانتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة وحل الحزب الوطنى وفى الطريق وضع نظام جديد لانتخاب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات حل المجالس المحلية ووضع نظام جديد لانتخابها وحتى المحافظين تم الاستجابة لمطالب الناس وتغييرهم
وبالرغم من تحفظنا الشديد على المحافظين الجدد إلا أننى أرى أنه لابد لنا الآن من التوقف عن الاعتراض والتظاهر والاعتصام لفترة ولو وجيزة
إن الاستمرار فى التظاهر والاعتراض والتشكيك فى النوايا قد يدفع بمؤيدى هذه الثورة لتغيير موقفهم مما يفقدها التعاطف الشعبى ووحدة الشعب خلف الثوار وقد يعطى فرصة لهؤلاء المتربصين للمراهنة والمزايدة على مواقف الثورة والثوار وهو ما يؤدى لزيادة حالة الاضطراب الحاصلة اساسا فى البلاد كنتيجة طبيعية لتغيير نظام ظل قابعا 30 عاما فى الحكم
على إخوتنا فى قنا إنهاء هذا الاعتصام فورا والقبول بالمحافظ الجديد حفاظا على امن مصر واسقرارها وإلا قد يحدث ما لا يحمد عقباه وعلى السلفيين أن يفهموا أن تصدرهم للمشهد الآن بينما كانوا فى بداية الثورة وطوال أيامها يقولون ان الخروج على الحاكم حرام شرعا هو إنتهازية غير مقبولة شرعا وأن ما يفعلونه الان لا يرضى الله ورسوله إذا كانوا فعلا يرجون رضا الله ويتلمسون خطا الرسول عليه الصلاة والسلام
أما فيما يخص موضوع الأمن فعلى السيد وزير الداخلية أن يتخذ إجراءات حاسمة مع ضباط الشرطة، إما أن يتحملوا مسئوليتهم ويبدأوا فى العمل فى إطار احترام القانون وإما أن يستقيلوا ويرحمونا ويرحموا أنفسهم
وربنا يستر عليكى يا مصر

الأربعاء، أبريل ١٣، ٢٠١١

مدون من أسيوط وثورة 25 يناير



مشاعر عديدة تختلط داخلى وأنا اتذكر أيام الثورة فى أسيوط، مشاعر الفرح بالطبع هى الغالبة ولكن تختلط معها مشاعر الفخر التى ملأتنى وأنا امشى فى المظاهرات اخيرا بدون خوف
كان اول يوم انزل فيه للمظاهرات يوم 28 يناير أو ما سمى بجمعة الغضب حيث كنت اعلم أن المظاهرة سوف تخرج بعد صلاة الجمعة من جامع الهلالى
تحركت من بيتى متجها إلى المسجد ولاحظت غياب كامل للأمن المركزى وهو ما أثار فى نفسى تساؤلات عديدة، هل قرر النظام فجأة التخلى عن العنف الذى ظهر به فى نهاية يوم 25 ؟
دخلت الجامع واستمعت للخطبة وأنهيت الصلاة وأنا فكرى مشغول بما سوف يحدث بعد الصلاة خاصة أننى وحدى ولا أعرف أحدا من الناشطين فى أسيوط ولا اعرف حتى إذا كانت المظاهرة سوف تخرج فعلا أم لا
خرجت من المسجد لأجد قوات الأمن المركزى وقد أحاطت بالمسجد من جميع الجهات ثم فجأة اندلعت المظاهرة عندما بدأ أحد الشباب برفع العلم المصرى والهتاف بحسبى الله ونعم الوكيل وعسكر عسكر عسكر ليه احنا صهاينة ولا ايه
كنت فى منتهى الفرح عندما انضممت لذمرة الشباب القليل الذى كان يهتف بإخلاص، كنا قليلون بالفعل وقد بدأت قوات الأمن المركزى تغلق الدائرة علينا من جميع الاتجاهات والناس خائفين من الانضمام لنا
كنت اشعر بالرعب الشديد وخاصة أننى من أبناء أسيوط واعلم تماما كيف عانى شعب اسيوط فى التسعينات من الشرطة أثناء خربها مع الارهاب، كانت تمر أياما علينا لا ننزل إلى الشارع وإلا فأنت معتقل لا محالة سواء إذا كنت تنتمى إلى الجماعة الاسلامية أو لا وإذا كنت تريد أن تعود إلى بيتك سالما لابد أن تثبت للظابط انك قليل الأدب أو منحل أخلاقيا، يعنى تشيل علبة سجاير أو بانجو أو حتى صور خليعة اهى أى حاجة تقنعه ان انت مالكش علاقة بالاسلام ولذلك عذرت الناس وهى تشاهدنا فى نهتف بسقوط النظام بدون أن تحاول المشاركة
كنت اشعر بالرعب كلما شاهد قوات الأمن المركزى تضيق الخناق علينا وتحكم غلق الدائرة وعندما تأكد الضباط أن الناس لن تشارك فى المظاهرة بدأوا التفاوض مع الشباب لإنهاء المظاهرة سلميا وهو ما حدث
بالطبع كانت هذه اول مرة لى فى حياتى اشارك فى مظاهرة بالرغم من أننى مدون منذ أكثر من ثلاث سنوات وشعرت بالحزن أن المظاهرة لم تكتمل وأحسست أن جميع المظاهرات فى المحافظات الأخرى ستلقى نفس المصير ولكن الحمدلله أن شباب الثورة نجحوا فى الصمود ذلك اليوم
بالطبع اندلعت المظاهرات فى أسيوط كل يوم بعد يوم 28 وكنت امشى فى المظاهرات بدون خوف ولكنى لم اكن متحمسا للهتاف مع باقى المظاهرة مثل يوم 28 ان فقد كنت اتلفت حولى مراقبا ومبتسما وأنا اتمتم سبحان مغير الأحوال
الحمدلله أولا وأخيرا ونرجو من الله أن يديمها علينا نعمة

الأربعاء، يناير ١٩، ٢٠١١

موقع المسيحيين المصريين فى المشروع الإسلامى



استمرارا لمسلسل مقالات المدونة لمعالجة قضية الفتنة الطائفية نعرض هنا مقالة للأستاذ مجدى أحمد حسين من سلسلة لماذا حزب العمل الإسلامى؟ المقالة بعنوان ما هو موقع المسيحيين المصريين فى مشروعنا الإسلامى؟


موقف حزب العمل الإسلامى من هذه القضية مبسوط فى وثائق وكتب عدة، بل فى مواقف عملية رائدة, خاصة فى مجال ترشيح المسيحيين على قوائم حزب العمل, وإدخالهم مجلس الشعب، أو فى انتخابهم فى قيادة الحزب رغم إعلان التوجه الإسلامى، ولا تزال أبواب عضوية الحزب مفتوحة لأى مسيحى يقبل برنامجنا السياسى ويقبل العمل تحت مظلة المشروع الإسلامى الحضارى.

ويمكن الرجوع لموقفنا فى كتاب: "الإسلام دين وحضارة" للأستاذ عادل حسين فى الفصل الأول، وفى تقارير المؤتمر السابع للحزب 1999، وفى دراستى (أحكام القرآن الكريم فى موالاة الكفار والمشركين - الفصل الخامس). وخلاصة هذا الموقف أننا نتعامل مع المسيحيين فى مصر كمواطنين فى الدولة الإسلامية يتمتعون بالجنسية الإسلامية كهوية حضارية للوطن، فيما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وإن بقوا من الناحية الشخصية على عقائدهم وعبادتهم وأحوالهم الخاصة، وهذا هو الموقف الإسلامى النظرى (الفقهى) العام, وإن كان فى مصر قد أخذ شكلا أكثر اكتمالا من أى بلد آخر.

وأن الإسلام إذا كان بالنسبة للمسلمين دين وحضارة، فهو بالنسبة للمسيحيين يمكن أن يكون حضارة فحسب، وإن النظر الموضوعى لأساسيات الدين الإسلامى يكشف عدم وجود تعارض مع قيم وأخلاقيات المسيحيين الشرقيين، وأنهم كانوا بطبيعتهم أقرب لإخوانهم المسلمين - خاصة فى مصر - من الوافدين والمستعمرين الغربيين، حتى قال أحد الغربيين أن مسيحى مصر هم مسلمون يصلون فى الكنائس يوم الأحد! فى إشارة إلى حالة الاندماج العام بين الطرفين فى مختلف العادات والتقاليد وطرائق الحياة. ولكننا نعانى منذ عدة عقود من مشكلات حقيقية طارئة خطيرة بتأثير واضح من المخططات الصهيونية - الأمريكية، وهذه المشكلات غير مسبوقة فى تاريخ مصر، ويتعين التعامل معها كمتغير جديد أضحى يشكل خطورة جدية على وحدة الأمة.

ولذلك فإن كثيرين سينظرون إلى عنوان هذه الحلقة (ما هو موقع المسيحيين المصريين، فى مشروعنا الإسلامى؟) باعتباره عنوانا عجيبا يبدو خارج سياق أحوال الأمة! وسنأتى لذلك، ولكننا نؤكد أن مواقفنا من الأقلية المسيحية مواقف مبدئية لا تتغير لأنها بالنسبة لنا أوامر إلهية وجزءا لا يتجزأ من عقيدتنا، وليست مجرد مواقف سياسية سطحية بهدف المناورة والكسب السياسى العارض، وهى لذلك تحتاج إلى زمن حتى يتأكد المسيحيون من إخلاصها وأنها الأوفق لهم فى دينهم ووطنهم وحياتهم الشخصية من أى خيار آخر علمانى أو تغريبى أو تابع للغرب.

وإذا أردنا الاختصار هنا نقول أن مبدأ (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) هو مبدأ المواطنة الكاملة, فلهم كل حقوق وواجبات المواطنين المسلمين. والمهم هنا الإشارة إلى المساواة أمام القانون (باستثناء الأمور المتعلقة بالعقيدة)، وأن القوانين السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة على أساس إسلامى هى بالنسبة لهم قوانين مدنية يلتزمون بها ويستفيدون منها كمواطنين فى الدولة، فى كل الأمور التى لا تتعلق بعقيدتهم، وهم فى المقابل ليست لديهم شريعة فى المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أى لا يوجد تصادم بين شريعتين، والخيار أمامهم بين الشرائع الغربية العلمانية، والشريعة الإسلامية، وليس بين المسيحية والإسلام كما يتصور البعض. أما فى مجال كثير من الأمور الحياتية والقيم الأخلاقية وبعض الشرائع التفصيلية فإنها تتسق مع مبادىء الإسلام كما ورد فى الوصايا العشر: لا تقتل.. لا تسرق.. لا تزن.. لا تكذب.. إلخ, وكذلك - على عكس المفهوم الشائع - فإن المسيحية (وفقا لعقيدة الكنيسة المصرية) تحرم الخمر ولحم الخنزير وكذلك تحرم الربا والشذوذ الجنسى.

والإسلام هو مؤسس المواطنة، حيث تساوى الناس فى دستور (صحيفة) المدينة فى الحقوق والواجبات بما فى ذلك اليهود، وقبل الإسلام كانت المواطنة تعنى التوحد على دين واحد, بل على مذهب واحد (كما هو الحال فى التاريخ الأوروبى)، وحتى فى الزكاة - وهى فريضة دينية - فإن الفقراء من غير المسلمين من مواطنى الدولة لهم حق فيها، أو من بيت المال.

والإسلام - على خلاف التاريخ الأوروبى - كفل الحرية التامة للاعتقاد, فللمسيحيين الحق فى ممارسة عبادتهم وشعائرهم, والتمسك بعقائدهم وبقوانينهم الخاصة بالأحوال الشخصية. وينسى كثيرون أن جميع الكنائس فى مصر قد بنيت فى عهد الإسلام, لأن الحكم الرومانى السابق على الإسلام منع المسيحيين الأرثوذكس المصريين من ممارسة شعائرهم أو إبداء معتقداتهم، ودمر كنائسهم أو استولى عليها لحساب المذهب الذى كان يتبناه الرومان.

وينحصر الحوار داخل التيار الإسلامى حول مسألة تولى غير المسلمين للوظائف العليا للدولة كالإمامة وقيادة الجيش والقضاء والولاية على الصدقات, لأنها أمور تتصل مباشرة بالعقيدة، أى بتطبيق الشريعة الإسلامية والاجتهاد فى ذلك وأحكام الجهاد. وهو ما سماه المواردى "وزارات التفويض"، أما "وزارت التنفيذ" فهى مفتوحة لغير المسلمين. ويضيق المستشار طارق البشرى من هذه المساحة حين يشير إلى أن ما يسمى وزراء التفويض أصبحوا محدودين للغاية فى النظم الحديثة، بل إن السلطات الفردية تتجه للتلاشى لحساب المؤسسات والهيئات، وبالتالى فإن مشاركة غير المسلمين فى جميع المؤسسات لا تؤثر على الولايات العامة للمسلمين (المسلمون والأقباط فى إطار الجماعة الوطنية - دار الشروق - الطبعة الثانية - راجع صفحات من 669-690).

والمقصود بذلك أن القرارات تصدر من مجلس الوزراء بالأغلبية, فوجود وزراء مسيحيين لا يؤثر على الولاية العامة للمسلمين، وكذلك الأمر فى الهيئة التشريعية التى تضم مئات الأعضاء بينما لن يزيد المسيحيون عن 10 أو 20% فى أحسن الأحوال.

وفى الهيئات القضائية نجد أنها تتكون فى معظمها من 3 أو 5 أو 7 أعضاء, وفى الجيش المصرى يشارك المسيحيون بشكل طبيعى حتى وصل اللواء عزيز غالى إلى قيادة الجيش الثانى خلال حرب أكتوبر، وحاليا يوجد مسيحيون فى أعلى مراتب الجيش (قائد أحد الجيوش، ورئيس أركان القوات الجوية على سبيل المثال), لذلك فإننا نطالب بمساهمة المواطنين المسيحيين ومشاركتهم فى كافة الهيئات السياسية الرسمية والشعبية كالأحزاب والنقابات والمجالس المحلية والتشريعية والجمعيات، وهو أمر متحقق بالفعل من الناحية القانونية الآن.

والوضع الخاص للإمامة أو قيادة الجيش أو قيادة هيئة الزكاة، عندما تُخصص للمسلمين فليس فى ذلك أى تمييز ضد المسيحيين، فهو مبدأ ديمقراطى أى أن يكون الحكم للأغلبية، والإدارة الصحيحة لهذه المواقع تتطلب معرفة إسلامية، واعتقاد إسلامى (أى ليست مجرد معلومات)، وليس فى ذلك أى إهانة لأحد, أو تقليل من شأن أحد. فنحن لا نطالب مثلا أن يكون رئيس الولايات المتحدة أو فرنسا أو روسيا مسلما، بينما المسلمون أقلية ضئيلة, فهذا يتعارض مع أبسط قواعد المنطق وحكمة تاريخ وسنن المجتمعات، والديمقراطية! وإذا كان مسموحا للمسلم أن يترشح فى الولايات المتحدة مثلا فلا يوجد أحد يتصور أن ينجح هذا المرشح. وبالتالى فإن الإلحاح على طرح هذا السؤال: هل توافقون كإسلاميين على تولى مسيحى لحكم البلاد؟! هو سؤال غير منطقى ولا محل له. كما أن الإثارة المتوالية لفكرة أن تطبيق الشريعة الإسلامية يعنى التمييز ضد المسيحيين فهى بدورها - كسابقتها - نوع من المطالبة بإلغاء الإسلام، لأن تطبيق الشريعة جزء لا يتجزأ من العقيدة، ولا ندرى ما هو الأصل الديمقراطى للقول بأن 94% من المجتمع يلغون عقيدتهم حتى لا يثيروا حفيظة 6% منه. مع ملاحظة أن العقيدة تعنى هنا بالنسبة للمسلم مصيره الأبدى، أى خلوده فى الجنة أو خلوده فى النار. فهل يمكن التضحية بالدنيا والآخرة لأن هناك أقلية تدين بدين آخر (6%).

فما بالنا والعقيدة الإسلامية هى العقيدة الدينية التى لا تجرح مشاعر أحد، بل التى توفر الضمانات لغير المسلمين أكثر من أى نظام فى العالم. وهذا موضوع طويل, ولكن التاريخ حسم ذلك بألف مثال ومثال (بالنسبة لمصر أباد الرومان المسيحيين المصريين لمجرد خلاف مذهبى وقتلوا الملايين، فهل حدث ذلك فى أى عصر إسلامى حتى فى عهود الانحطاط!). أما الآن فنحن نرى مثلا أن الولايات المتحدة لا تسمح للمسلمين بتطبيق قانون أحوالهم الشخصية, فإذا تعددت زوجات المسلم يحاكم ويسجن، ونرى تزايد حالات الاستفزاز من الحجاب الذى وصل إلى حد المنع القانونى فى فرنسا، رغم أن ارتداء الحجاب ليس فيه أى اعتداء على أحد. ونرى استفتاءا فى سويسرا لمنع المآذن. فهل منع أى بلد إسلامى أبراج الكنائس؟!

باختصار فإن تطبيق الشريعة الإسلامية فى جوانبها القانونية لا يمثل أى اعتداء على أحد ولا يمثل فرضا لعقيدة الإسلام على أحد.

ولكن منذ عدة عقود تتصاعد أزمة طائفية خطيرة فى البلاد وبالتحديد منذ سنوات السبعينيات من القرن العشرين، وأصبحت الآن مستحكمة إلى حد بعيد.

وقد ذكرنا من قبل (راجع كتاب: أحكام القرآن الكريم فى موالاة الكفار والمشركين) أن مسئولية ذلك تعود إلى الدولة والحركة الإسلامية والكنيسة. أما الدولة بمعنى النظام الحاكم فهو لا يحسن إدارة أى مجال من مجالات حياتنا، فليس هذا هو المتغير الأهم، أما الحركة الإسلامية فقد نشأت لها فروع متشددة فى التعامل مع المسيحيين, ونرى أنه جانبها الصواب من الناحية الشرعية (بعض الجماعات الإسلامية) ولكننا لا نناقش ذلك الآن، لأن هذه الجماعات انحسرت أو اختفت تماما، والسائد الآن فى التيار الإسلامى هو الموقف الذى طالما دعونا له والذى أشرنا إلى ملامحه فيما سبق، وكان أهم تغير هو فى مواقف الإخوان المسلمين فى اتجاه موقف حزب العمل، وسقط تحفظها فى مجال ترشيح وتأييد ترشيح مسيحيين فى مجلس الشعب والنقابات والمجالس المحلية، وكانت بداية الانعطاف فى انتخابات عام 1987 فى إطار التحالف الإسلامى بين حزب العمل والإخوان المسلمين.

أما التغير الأهم فهو فى موقف الكنيسة، ففى عهد البابا شنودة تحولت الكنيسة لأول مرة منذ تأسيسها إلى كيان حزبى للمسيحيين، وسلطة سياسية "للشعب" المسيحى داخل الدولة. وهو الأمر الذى ساهم فى حدوث حالة التكتل الطائفى غير المسبوقة، حيث أصبح هناك مجتمع شبه كامل للمسيحيين على أرض مصر، وأصبحت قيادة الكنيسة هى الواسطة بين المواطن المسيحى والدولة المصرية. وكان هذا الموقف الجديد تماما على الكنيسة هو السبب الأساسى فى حدوث هذا الشرخ الذى ما يزال يتعمق يوما بعد يوم فى تكوين الأمة المصرية. وقد تمكن البابا شنودة من تحقيق مشروعه بإحكام سيطرته الفردية على الكنيسة وفرض رؤيته على الجميع، وأزاح من طريقه كل أقطاب الكنيسة كمتى مسكين والأنبا جريجوريوس على سبيل المثال, وكانوا مختلفين مع هذه الرؤية باعتبارها خروجا على التقاليد الراسخة للكنيسة المصرية من عهد مرقس إلى عهد كيرلس. وقد ساعد البابا شنودة على تحقيق مشروعه عاملان: 1. ضعف النظام السياسى. 2. تزايد النفوذ الأمريكى فى مصر.

ضعف النظام السياسى الذى أخذ فى التراجع أمامه خشية إغضاب الولايات المتحدة التى أعلنت نفسها حامية حمى المسيحيين فى مصر، وكما كانت حماية الأقليات من المبررات الرسمية لاحتلال بريطانيا لمصر!

وكانت بداية الالتقاء بين موقف شنودة والموقف الأمريكى فى عهد السادات, حين وقف الطرفان بحزم ضد رغبته فى تقنين الشريعة الإسلامية، الأمر الذى تم بالفعل وكان ينتظر مجرد الإقرار فى مجلس الشعب. ولكن تحت هذه الضغوط (الأمريكية فى المحل الأول) أطاح السادات بالدكتور صوفى أبو طالب رئيس مجلس الشعب، الذى قاد عملية التقنين التى دخلت فى غياهب النسيان حتى اغتيال السادات وحتى الآن. بل فى عهد مبارك تم إدخال مادة مريبة فى الدستور خلال التعديل الأخير عن المواطنة فى محاولة للإلغاء الضمنى للمادة الثانية، التى تنص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع. وأصبح النظام يشير إلى هذه المادة الجديدة كمبرر لعدم مشروعية الأحزاب السياسية وأى نشاط إسلامى له طابع سياسى، وهى بدعة جديدة، أى أن يتم وضع مادة جديدة وكأنها تلغى مادة أخرى دون إلغاء الأخيرة بشكل صريح خوفا من إثارة الرأى العام؟ ومع ذلك فإن كثيرا من الكتاب المسيحيين - فى سابقة تاريخية - أصبحوا يتحدثون ويكتبون صراحة ضد المادة الثانية، ويطالبون بإلغائها، أى بإلغاء الشريعة الإسلامية! وأما المسلمون الذين يطالبون باحترام هذه المادة الثانية (أى الشريعة الإسلامية) فأصبحوا محظورين ومطاردين ومجمدين (حزب العمل والإخوان المسلمين). وأصبح النظام يتراجع بانتظام أمام المطالب الأمريكية ومطالب الكنيسة، رغم انتقاداته الإعلامية لتقارير أمريكا حول الحريات الدينية، وهى سياسة جديدة للولايات المتحدة, أى استخدام هذا التقرير السنوى للضغط على الأنظمة الصديقة والمناوئة على السواء من خلال إدعاء مناصرة الأقليات الدينية. وأصبحت الكنيسة عمليا محصنة ومستقلة ضد تدخل الدولة القانونى فى أى شئون إدارية أو مالية، وأصبحت أجهزة الدولة عاجزة عن أى تدخل فى النشاط الكنسى - البعيد تماما عن العقيدة - كالأنشطة الاجتماعية والرياضية والفنية ومجموعات الدروس الخصوصية، والاجتماعات ذات الطابع النقابى والسياسى التى تحدد موقف الكنيسة كحزب سياسى، خلال الانتخابات العامة والنقابية، وأيضا خلال الأنشطة العامة على مدار الساعة. وإذا كون المسيحيون حزبا سياسيا صريحا فإن ذلك سيكون أفضل من الوضع القائم من عدة زوايا: فالحزب السياسى الصريح سيكون مطالبا بتقديم برنامج عام للوطن لا الاكتفاء بالمطالب الطائفية، وسيكون له مقرات تخضع لكل ما تخضع له الأحزاب السياسية الأخرى، وسيكون له صحيفة تتحدث فى الشئون العامة لا الطائفية فحسب، أما فى الوضع الراهن فقد ارتبط ما هو سياسى بما هو مقدس، ولا يمكن انتقاد هذا الحزب غير المعلن لأنه يعمل داخل أسوار الكنيسة والمبانى العديدة التابعة لها، لأنه سيصبح انتقادا للكنيسة, أى اعتداء على عقيدة ودين الأقلية، وسيتحول الموضوع إلى اضطهاد دينى لا خلاف سياسى. وكل هذه الاعتبارات واضحة فى تقديرات مشروع البابا شنودة فهو يمارس الأنشطة السياسية (ولكن المحصورة فى المطالب طائفية) ويحتمى بدرع الكنيسة كمكان للعبادة! أما الأغلبية المسلمة وقواها السياسية فأصبحت هى المضطهدة، رغم تأميم المساجد والسيطرة على أنشطتها المختلفة بنسبة تصل إلى 100%!! بينما الكنيسة حرة فى أنشطتها وتمويلها الذى ليس له أى حساب رسمى بنسبة 100%.

والمسيحيون المتظاهرون يضربون الشرطة إلى حد إدخال العشرات من الضباط والجنود للمستشفيات, ولا يعاقب أحد (وهذا حادث متكرر), أما الناشط المسلم فلا يمكن أن يفعل ذلك، وإن فعل فإنه يعاقب أشد العقاب فى الميدان ثم فى أحكام القضاء. وحتى كبار رجال الأعمال المسيحيين أصبحت لهم حصانة خاصة مهما فعلوا من أعمال منافية للقانون، خشية الاتهام بالاضطهاد الدينى. وحتى قضية بناء الكنائس التى تحولت إلى قضية ساخنة بصورة مفتعلة، فإن عهد مبارك قد شهد الموافقة على بناء عدد غير مسبوق من الكنائس. وكلما قدمت الدولة تنازلات للكنيسة كلما ارتفعت أصوات المسيحيين بالصراخ من الاضطهاد!! وكلما ازدادت انتقاداتهم العلنية المكتوبة والشفهية للإسلام وشريعته وقرآنه وسنته, والمفترض أن يكون ذلك خطا أحمر لا يتم الوصول إليه بحكم المنطق والكياسة والتقدير السليم للأمور، قبل أن نقول أن الدولة الإسلامية من المفترض ألا تسمح بهذا التطاول على شريعة الأغلبية الساحقة لأهل البلاد. وكما يقول د. يوسف القرضاوى: (وأما مراعاة شعور المسلمين فتقتضى ألا يسبوا الإسلام ورسوله وكتابه جهرة ولا أن يروجوا من العقائد والأفكار ما ينافى عقيدة الدولة ودينها ما لم يكن ذلك جزءا من عقيدتهم كالتثليث والصلب عند النصارى وغير ذلك من مظاهر السلوك).

وهذه من الأمور التى يجب مراعاتها فى بناء الكنائس، أى الحفاظ على الطابع الإسلامى للبلاد، وبالتالى فإن الحديث عن قانون موحد لدور العبادة أمر فيه شطط كبير لأنه لا يراعى هذه المسألة، فالكنائس تبنى بشكل لائق وبما يتناسب مع عدد السكان فى كل مكان، ولكننا نرى الآن ومنذ فترة استخدام المال لشراء مواقع معينة فى مداخل المدن والميادين العامة وبناء كنائس, ثم التوسع فى مسألة المبانى المخصصة للنشاط الاجتماعى بهدف توسيع ركائز المجتمع المسيحى المستقل (دولة داخل الدولة) وهكذا تشترى الكنيسة أراضى واسعة فى سيناء والبحر الأحمر لإقامة الرحلات والمعسكرات. إن خلق كيان مسيحى مستقل داخل الدولة قد يبدو إنجازا يثلج قلوب المسيحيين فى المدى القصير، ولكن هذا سيؤدى على المدى الطويل إلى كوارث طائفية لتمزيق النسيج الموحد التاريخى للمصريين، وتعميق حالة العزلة النفسية، وهذه مقدمة لفتنة طائفية مهولة سيصبح ما مضى من أحداث مجرد لعب أطفال بالنسبة لها. ولعل الإخوة المسيحيين يدركون أنه مع تقدم هذا المشروع الطائفى والانفصالى فإن إحساس المواطن المسيحى بالأمان يتراجع ويتقلص. فلا الأسوار العالية تضمن الأمان, ولا حماية الولايات المتحدة. الأمان الحقيقى فى علاقات المودة والتراحم والبر بين المصريين بعضهم البعض. وأصبحت مجموعات أقباط المهجر هى حلقة الوصل بين الكنيسة والولايات المتحدة، وبالتالى فقيادة الكنيسة لا تحتاج لإقامة صلة علنية مباشرة مع الإدارة الأمريكية، ومن المؤسف أن نقول أن هذه المجموعات التى تحظى برضا قيادة الكنيسة متصلة علنية باللوبى اليهودى الأمريكى وبإسرائيل. وقد قرأنا مؤخرا لرئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية عن دور إسرائيل فى إحداث الفتنة الطائفية فى مصر (نشرنا نصها فى حلقة سابقة). والأمر تطور سريعا فى السنوات الأخيرة فقد زادت لهجة الحديث عن الاستعمار العربى الإسلامى وضرورة تحرير مصر منه، ولا ندرى كيف؟ فبغض النظر عن المغالطات التاريخية والواقعية لهذا الإفك، فهل سيطرد 6% من السكان (حتى وإن كانوا 10% حسب بعض الادعاءات) 90 أو 94% من السكان ويعيدونهم إلى جزيرة العرب وتركيا وبلاد القوقاز.. إلخ, وكيف سنعرف الأصل العربى أو التركى لهذا المواطن المصرى الخبيث؟! أم المقصود هو إقامة دولة مسيحية رسمية على جزء من التراب الوطنى؟! أم المقصود هو إزالة العقيدة الإسلامية؟!

والملاحظ أن أى احتمال من هذه الاحتمالات أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، وهذا يوضح أن الأمريكيين والإسرائيليين يدفعون المسيحيين المصريين إلى الانتحار, ويستخدمونهم كوقود لتمزيق الوحدة المصرية، وإضعاف الكيان المصرى الذى هو أكبر تهديد لإسرائيل وللنفوذ الأمريكى فى المنطقة (على المدى الطويل وليس فى ظل هذا النظام بطبيعة الحال), ووصلت تخرصات تنظيمات أقباط المهجر إلى اتهام النظام المصرى بالوهابية والإسلام المتطرف, وهذا كلام أقرب إلى الهزل والجنون منه إلى كلام العقلاء. فلماذا لا يفكر المواطنون المسيحيون إلى أى منحدر يقودهم هذا المخطط الأجنبى. وهذه اللهجة فى الحديث لم تعد مقتصرة على تنظيمات أقباط المهجر؟ أو على مواقع الإنترنت التى تدار من داخل مصر وخارجها، أو من خلال ندوات الدردشة chatting على الشبكة العنكبوتية، بل صرح بذلك الرجل الثانى فى الكنيسة عندما قال أن المسلمين هم ضيوف علينا فى مصر!! بل لم نسمع من أى مسئول كنسى أى اعتراض على الهتافات المتكررة التى يرددها المتظاهرون المسيحيون داخل ساحات الكنائس بما فى ذلك الكاتدرائية والتى يستنجدون فيها بشارون أو جورج بوش لنصرتهم! بل أصبح المسيحى عندما يدخل فى أى منازعة مع أخيه المسلم، يهدده بالولايات المتحدة!!

وقد كشفت أحداث العمرانية الأخيرة وجود تنظيمات سرية غير معلنة بقيادة الكنيسة لتوجيه المظاهرات فى أماكن مختلفة، وفى توقيتات غير طبيعية كالسابعة صباحا، بل إن مهاجمة المتظاهرين المسيحيين لمبنى محافظة الجيزة، أمر لم يقم بمثيله متظاهرون مسلمون رغم كثرة مظاهراتهم أمام مبانى المحافظات فى السنوات الأخيرة.

وكل هذه الأقوال والتصرفات لا علاقة لها بالإنجيل، الذى يدعو إلى السلم والمحبة واللين، بل نحن أمام نزوع طائفى بالغ الخطر ولا يستبعد العنف (زجاجات المولوتوف على الأقل حتى الآن). المسيحية فى عهدها الصافى أى فى عهد المسيح بن مريم لم تنتشر بهذه الأساليب، ولا بكثرة مبانى الكنائس. والحركة الإسلامية تنتشر فى مصر وهى محرومة من كل المساجد!!

ومنذ عام 2004 حدث تطور خطير آخر وغير مسبوق فى تاريخ مصر، باستخدام الكنيسة لسلطاتها وأديرتها فى احتجاز وسجن المتحولات للإسلام, خاصة إذا كن زوجات لقساوسة. وقد اعتبر ذلك إعلانا رسميا بالدولة المسيحية، والتى إن لم ينحز سكانها فى قطعة أرض واحدة، إلا أن مؤسساتها أصبحت مبانيها وما تحتوى عليه من فضاءات أرض محررة من المستعمرين المسلمين، وهنا تواطأت الدولة مع الكنيسة فى تكريس حق اعتقال المسلمات لإجبارهن على العودة للمسيحية, أو حتى حقها فى اعتقال مسيحيات إذا أخذنا بالقول أنهن عدن للمسيحية، فى عملية اختطاف رهائن بصورة علنية وكأنها عمل مشروع، فاستخدمت أجهزة الأمن سطوتها فى اعتقال المتحولات للإسلام وسلمتهن للكنيسة، ولم يراهم أحد حتى الآن (أشهرهن وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة). وحدث تواطؤ مواز من الولايات المتحدة فهى لم تثر ذلك فى تقريرها السنوى عن الحرية الدينية!!

وحتى الرجال المتحولون للإسلام يلقون مشكلات وتعنتا فى إثبات ذلك، كما أدى الشحن الطائفى إلى زيادة أعمال العنف والقتل ضدهم من الأهالى المسيحيين, وكلما اعتنقت فتاة مسيحية الإسلام جرت المظاهرات على أساس أنها اختطفت، ثم يثبت كذب ذلك (أى الاختطاف), ولكن هذا الأسلوب يتكرر وكأنه يعرقل تحول المسيحيين إلى الإسلام, وهذه نظرة قاصرة لأن العقيدة إذا تملكت المؤمن فلن يحول شىء بينه وبينها حتى الاستشهاد. والمفترض أن أحفاد الشهداء الذين قاوموا الرومان أن يكونوا أكثر إدراكا لهذا المعنى. وهكذا أصبحت حرية الاعتقاد بالإسلام غير مكفولة فى مصر، وهذا أمر عجيب لا ندرى كيف لا يدرك قادة الكنيسة عواقبه الوخيمة.

من كل ما سبق يتضح أن خطورة هذه التطورات أنها ضربت الوحدة الوطنية فى مقتل، فى حصنها الحصين, وهى روح حسن المعاشرة ولطف المعاملة ورعاية الجوار وسعة المشاعر الإنسانية من البر والرحمة والإحسان. لذلك تجد العلاقات بين المسلمين والمسيحيين من كبار السن علاقات طبيعية وودية وصحية أما الأجيال التى نشأت فى الثلاثين سنة الأخيرة فهم فى أحسن الفروض لا يعرفون بعضهم البعض!

ويشكو المسيحيون أحيانا من ممارسات الأمن، وهناك بالفعل ما يمكن أن نسميه "تقلصات" تحدث بين أجهزة الأمن والكنيسة، وهى "تقلصات" لأنها موسمية ولا تقارن بما يمارسه الأمن مع الأحزاب الإسلامية. وهى تحدث لأن الأمن يشعر بأن سيادته المطلقة والمحكمة على رقاب العباد جميعا، مقيدة إلى حد بعيد، فى مجال التعامل مع الكنيسة، والأمن يدرك أكثر من غيره حجم الدولة المسيحية التى تبنى على أرض مصر رغم أنفه، وهو يعالج مسألة الوحدة الوطنية بعقليته الأمنية، ولكنه يهزم عادة فى كل المواجهات لأن القيادة السياسية تنحاز للكنيسة فى نهاية المطاف!! ومن نافلة القول أن نقول أن مشكلة بهذا الحجم والعنف لا يمكن أن تحل فى إطار أمنى ككل المشكلات الكبرى فى البلاد. وأن الصوت الأعلى فى هذه القضية متمثلا فى الإعلام يروج هذه المعضلة عن طريق الإمعان فى علمنة الدولة، وهو الأمر الذى يزيد المعضلة استفحالا.

ونحن لا نملك إلا التوجه للمواطن المسيحى لنقول له أن التوجه إلى الإسلام والعودة إلى شريعته هو التيار الغالب والغلاب، وليس فى مواجهتك بأى حال من الأحوال، فهى عودة للذات وعودة إلى الله، وهو تيار فى مختلف البلاد العربية والإسلامية، كما أن العودة للأصول الدينية تيار موجود فى مختلف بلدان العالم. وإعلان الدولة الإسلامية رسميا فى مصر مسألة وقت قد يطول أو يقصر، ولكنه لن يطول كثيرا فى تقديرنا. ولابد من التفاهم والحوار مع التيار الإسلامى والاستماع إلى رؤيته ودراستها. ونحن نزعم أن الرأى الغالب فيه والذى يسميه البعض الإسلام السياسى لا يضمر لكم أى شر، ويسعى ويرغب فى إعادة اللحمة الوطنية المصرية إلى ما كانت عليه فى إطار إسلامى وليس فى إطار علمانى، فإذا كنت متدينا حقا بالمسيحية، فإن أخوة الإسلام هم أقرب الناس إليك. الولايات المتحدة لا تأبه بالمسيحية وإلا لكانت اهتمت بأخلاقياتها على الأرض الأمريكية، أمريكا لا تعرف إلا مصالحها واستمرار سطوتها وتسلطها على الشعوب. وأنت تعرف رأى اليهود فى المسيح عليه السلام ولا نريد أن نكتب وقاحتهم. وأمريكا وإسرائيل يتفقان على إضعاف مصر واستعمارها بوسائل حديثة، ومن يحب مصر وتربى فى مدرسة الوطنية المصرية وعصر الشهداء من أبرز ملامحها التاريخية، فلا يقبل بهذا المخطط الصهيونى - الأمريكى، وقوة مصر فى اتحاد بنيها. والسير فى هذا المخطط أكبر تهديد لسلامة وأمن وطمأنينة ووطنية المسيحيين، وبديهى أنه ضار بأمن وحضارة مصر. ولا ننفى وجود مشكلات لكم أو مطالب أو هواجس, ولكنها تحل بالحوار والتفاهم وفى الإطار الوطنى. والضمانة الأساسية لذلك أن الله يأمرنا بذلك: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

والبر يعنى أن تعطى صاحب الحق أكثر من حقه, وقد استخدم القرآن هذا اللفظ مع الوالدين فقال عن سيدنا يحيى: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا) (مريم: 14), وقال على لسان المسيح: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا) (مريم: 32), والقسط هو العدل. وليس بعد البر أو العدل ما يمكن أن تقدمه لأى إنسان.

ملاحظة: كتب هذا الموضوع قبل حدوث التفجير المأساوى بكنيسة الإسكندرية والتى راح ضحيته حوالى 18 مواطنا مسيحيا، ونحن إذ ندين هذه الجريمة فى حق الأبرياء من بنى الوطن، نقول أن الإسلام منها براء. ولكن الوفاء لهذه الدماء وهذه الأرواح المصرية يعنى أن نعمل على سد كل الثغرات حتى نمنع تكرارها. وما ورد فى هذه الحلقة تضمن التحذير من كوارث قادمة أكثر مما مضى، كما تضمن رؤيتنا للمواجهة الوطنية المخلصة لهذه المعضلة، وقد أصدر الحزب بيانا بهذه المناسبة طالب فيه بتشكيل لجنة من الحكماء المسلمين والمسيحيين، ذات طابع قومى وغير حكومى، لبحث كل القضايا المتفجرة بهدوء وصراحة فى اجتماعات مغلقة, والتوصل إلى توصيات محددة يتم فرضها على جميع الأطراف بالقوة الأدبية وبقوة الرأى العام المصرى الإسلامى والمسيحى.