لذلك يتم التركيز على إيران لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فإيران دولة غير عربية، وبالتالى يمكن القول أن حماس جزء من مشروع إيرانى فارسى شيعى للهيمنة على المنطقة، وبالتالى يتم توظيف العداء لحماس وغزة فى الدعاية الإعلامية المطلوبة ضد إيران، لأنها أصبحت الهدف الأول للحصار والضرب من قبل الحلف الصهيونى - الأمريكى لتقويض مشروعها النووى وبالتالى بدلا من تسمية التحالف الإيرانى - السورى مع المقاومة فى لبنان وفلسطين محور المقاومة والصمود ضد الحلف الصهيونى - الأمريكى، يتم تسميته مشروعا إيرانيا ضد العروبة وضد مصر الزعيمة المفترضة للعرب!
والحقيقة أن حركة حماس أقدم من الثورة الإيرانية بعشرات السنين، وكانت علاقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى البداية مع ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعندما تحولت حركة الإخوان المسلمين فى فلسطين إلى حماس مع الانتفاضة الأولى لم تكن لها أى علاقة مع إيران, فهى حركة نشأت وترعرعت داخل الأراضى الفلسطينية المحتلة, وهى حركة جهادية استشهادية تسعى لتحرير كامل التراب الوطنى الفلسطينى. هذه أول حقيقة, والحقيقة الثانية البديهية أن حركة حماس حركة سنية أصيلة، وفلسطين لا يوجد فيها شيعة. وكان من الطبيعى أن تلتقى إيران مع حماس بعد تخلى فتح عن المقاومة والسير فى طريق أوسلو، وكانت من ثوابت الثورة الإيرانية العداء لأمريكا ولإسرائيل، ومعروف أن من القرارات المبكرة للإمام الخمينى قطع العلاقات مع إسرائيل وتسليم سفارة إسرائيل لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقطع إمدادات البترول عن إسرائيل واحتضان المقاومة الفلسطينية، وكان ياسر عرفات من أوائل الزعماء الشعبيين الذين زاروا طهران. ومن الطبيعى كما ذكرنا أن ينتقل هذا التعاون إلى حماس وغيرها من منظمات المقاومة كالجهاد والجبهة الشعبية القيادة العامة ولجان المقاومة الشعبية، لأن إيران ظلت متمسكة بشعار "إزالة إسرائيل كغدة سرطانية", وعدم الاعتراف بها ككيان استيطانى استعمارى لأرض فلسطين الإسلامية. ولم تتوقف إيران عن التزامها بالمقاومة اللبنانية والفلسطينية، ولعبت دورا أساسيا فى ذلك، عوض تخاذل معظم الأنظمة العربية عن القيام بهذا الواجب، وهى من الأمور المحمودة التى يجب أن تذكر لإيران بأى معيار عربى أو إسلامى. وقد اعتبرنا دوما فى حزب العمل أن إيران إضافة مهمة وكبيرة للمواجهة العربية للحلف الصهيونى - الأمريكى، ورفعنا شعار التحالف الإيرانى - العربى فى مواجهة هؤلاء الأعداء. وقد ترسخ بالفعل هذا الشعار وتحول إلى حقيقة على المحور الإيرانى - السورى - الفلسطينى - اللبنانى. وقد كان من ثمار هذا التحالف التعويض عن خروج مصر المؤقت من الصراع، بل وانحيازها للسياسة الأمريكية فى المنطقة، وهو ما أدى إلى استمرار الصمود السورى رغم التخلى المصرى الكامل عن سوريا، وأدى إلى تحرير معظم الأراضى اللبنانية المحتلة عام 2000، وساهم فى إذكاء الانتفاضة الثانية فى فلسطين، ثم ساهم فى أكبر انكسار للجيش الإسرائيلى - بعد حرب أكتوبر - فى لبنان عام 2006، ثم فى غزة عام 2008/2009, وكانت إسرائيل قد أُجبرت على الانسحاب من غزة عام 2005 تحت وطأة الاستنزاف المستمر للمقاومة. وقد بذل حزب الله كل الجهود الممكنة لنقل خبراته فى المقاومة إلى فلسطين المحتلة بما فى ذلك غزة. وأصبح هناك نوع من التحالف العضوى بين المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وتنسيق استراتيجى على أعلى مستوى. وبالتالى فإن برنامج حماس هو برنامج فلسطينى أصيل يدعمه الموقف العربى التحررى والموقف الشرعى الإسلامى، والأصح أن يقال أن إيران هى التى تبنت جدول الأعمال الفلسطينى وليس العكس. وحماس كما ذكرنا هى كالكتاب المفتوح ليس على جدول أعمالها سوى المقاومة ثم المقاومة ثم المقاومة لتحرير فلسطين, وهى تستخدم مكانتها وتراثها النضالى لحشد التأييد العربى والإسلامى لهذا التوجه. ومن المخجل أن ينتقد الإعلام الرسمى المصرى أو العربى إيران لدعمها للمقاومة بينما تخلى معظم الحكام العرب عن هذا الواجب.
فإذا كان الوزن النسبى للدعم الإيرانى للمقاومة الفلسطينية قد زاد, فإن هذا يرجع إلى تخلى الحكام العرب عن هذا الدور، وليس لأن حماس رفضت الدعم العربى!! والمخجل أن الجامعة العربية اتخذت قرارا باعتبار غزة منطقة منكوبة بسبب العدوان الأخير, إلا أنها لم تفعل شيئا لتنفيذ هذا القرار. كذلك فإن قرارات تعمير غزة لم تنفذ لأن حكومة مصر لم تفتح معبر رفح للأسمنت والحديد وباقى مواد البناء، واعتبرت أن تعمير غزة هو واجب إسرائيل التى دمرتها!
عقب تولى حماس للحكومة فى غزة والضفة كنت فى زيارة لطهران والتقيت مع ممثل حماس هناك، وقال لى أن الحكومة الإيرانية مستعدة لتوريد كافة احتياجات الأراضى المحتلة لتعزيز البنية التحتية والاقتصادية والإدارية للضفة والقطاع, ولكن المعضلة فى دخول هذه المعونات العينية أنها تحتاج لموافقة إسرائيل ومصر. ولا أدرى هل نلوم إيران على هذا التوجه؟! إن من يلوم إيران على هذا التوجه لا يمكن إلا أن يكون إسرائيلى الهوى، أو أمريكى الهوى!
إن حركة حماس التى قدمت آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين وعلى رأسهم قيادات الحركة أنفسهم ليست هى التنظيم الذى يتلقى تعليمات من الخارج, أو يتم تحريكه بالأزرار, فهذا المفهوم الصبيانى الركيك يصلح لوصف عمل العملاء والمرتزقة لدى أعداء الأمة، ولا يصلح لوصف علاقة الشهداء الأحياء بإيران الذين يتقدمهم الشيخ أحمد ياسين.
أما ما يسمى المشروع الإيرانى فله وجهان: وجه التعاون والتحالف مع كافة القوى العربية الرسمية والشعبية ضد الحلف الصهيونى - الأمريكى، وهذا ما يجب التقاطه والتعامل معه. ووجه المصالح الوطنية للدولة الإيرانية، ولا يمكن إنكار سعى إيران لزيادة وزنها فى المنطقة كدولة إقليمية محورية، من خلال العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية، والسياسة الخارجية الإيرانية تركز منذ زمن على إقامة علاقات طبيعية مع كافة الدول العربية، وليس على ما يسمى تصدير الثورة. وحكومة مصر هى التى ترفض الأيادى الإيرانية الممدودة مرارا لإقامة علاقات طبيعية مع إيران، والطريف أن أكبر العلاقات الاقتصادية العربية - الإيرانية هى مع الإمارات!!
ومن الطبيعى أن يزيد وزن إيران النسبى فى المنطقة بسبب قوتها العسكرية والعلمية والتكنولوجية, واختراقها لمجال غزو الفضاء والأقمار الصناعية, بسبب تقزم الدول العربية التى لا يوجد فى أى منها أى مشروع حقيقى لنهضة اقتصادية شاملة، أو سياسات استقلالية عن الولايات المتحدة. والملفت للانتباه أن تركيا تسير على خطى إيران، من خلال لعب دور إقليمى متميز مع العراق وسوريا وليبيا ولبنان وغزة!!
وغدا ربما سنسمع عن انتقال حدود تركيا إلى غزة وبالتالى مع مصر!! وتركيا لا تقوم بدور الدعم العسكرى، ولكن موقفها من غزة كان الأحرى أن تقوم به مصر.
فتركيا تربط العلاقات مع إسرائيل بإنهاء حصار غزة، بينما حكومة مصر تواصل تقديم الجوائز والحوافز لإسرائيل من خلال مزيد من صفقات الغاز الطبيعى.
وبالتالى فإن انقشاع الدور المصرى أو الدور السعودى هو الذى يضاعف من حجم ووزن الدور الإيرانى فى المنطقة. إذن لماذا نحمل إيران عواقب الخيبة العربية؟
ولا اقصد أن المشروع العربى يجب أن يكون تصادميا مع الدور الإيرانى, بالعكس, فالمفروض هو التناغم والتنسيق والمنافسة السلمية فى الخير (وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ).
وفيما يتعلق بموضوعنا فإن تعميق العلاقات الإيرانية الفلسطينية ليس موجها ضد مصر, بل ضد إسرائيل. فحماس ليس لديها أى مشروع تجاه مصر أو غيرها من البلاد العربية, وغاية ما تتمناه أن تكون مصر ممرا آمنا يربط بين غزة والعالم الخارجى. وإيران ليس لديها مشروع للهيمنة على الوطن العربى.
قد نختلف مع السياسة الإيرانية فى هذا الموضوع أو ذاك، ولكن فكرة الهيمنة أو السيطرة على مصر غير مطروحة، فهم أناس عقلاء ولا يطرحون أهدافا وهمية.
وتطورات الصراع فى غزة لا علاقة لها بإيران، ففوز حماس فى الانتخابات كان مفاجـأة للجميع بما فيهم حماس ذاتها!! بل وحسب معلومات مؤكدة من مصادر فلسطينية فإن إيران لم تكن متحمسة لفكرة نزول الانتخابات, كذلك فإن إيران لم تخطط لانسحاب شارون من غزة، كذلك فإن الحسم العسكرى فى غزة ضد عملاء إسرائيل كان قرارا حمساويا ميدانيا، وبالتالى فإن تحول غزة إلى قلعة للمقاومة وحماس, جاء فى إطار مجريات الصراع مع إسرائيل, ولا علاقة لمصر أو لإيران بذلك. فليست مصر هى المستهدفة من هذه التطورات، وكذلك لم تكن إيران طرفا موجها لحماس.
ومن ضمن السخافات التى يرددها الإعلام الرسمى المصرى أن إيران أو إيران وسوريا معا يعطلان المصالحة بين فتح وحماس. فبالإضافة لما ذكرناه آنفا عن أن حماس ليست هى التنظيم الذى يتحرك بالأزرار من خارج مؤسساته الشورية فإن هذا الكلام أشبة بالهذيان، فإيران وسوريا تدركان أن تعطيل المصالحة يستخدم كحجة لحصار غزة، وبالتالى فإن إيران وسوريا كحليفتين لحماس لا مصلحة لهما فى استمرار خنق غزة، وبالتالى لا مصلحة لهما فى توتير العلاقات بين مصر وحماس. لأن مصر ببساطة هى الممر الوحيد لغزة إلى العالم الخارجى. وباستخدام أبسط قواعد المنطق فإن إيران أو سوريا لن يضغطا على حماس لرفض الورقة المصرية للمصالحة لتهميش دور مصر. فالواقع أن مصر لا يمكن أن تهمش فى موضوع غزة بسبب الواقع الجغرافى. كما أن حماس لا يمكن أن تقبل الانتحار إرضاء لإيران أو سوريا مع افتراض أنهما يطلبان ذلك المطلب الخيالى (رفض المصالحة ومكايدة مصر)!
وقد أوضحنا ببساطة من قبل أن الورقة المصرية للمصالحة تتضمن تصفية المقاومة ضد إسرائيل, وتبعية كل القوى العسكرية لأجهزة الأمن, وهذا ما اعترف به نبيل شعث القيادى فى فتح فى حديث لصحيفة مصرية. وبالتالى فإذا كان نهج حماس هو المقاومة ثم المقاومة ثم المقاومة فهل تحتاج لتحريض سورى أو إيرانى لرفض تصفية المقاومة أى تصفية نفسها؟
وأخيرا من العار على مصر الرسمية أن تردد أن إيران وحماس يهددان الأمن القومى المصرى، فى وقت يواصل الجيش الإسرائيلى تدريباته لمواجهة حرب محتملة مع إيران وسوريا وحزب الله وحماس. إن حكام مصر يُخدَّمون إعلاميا وسياسيا على الموقف الإسرائيلى، ويقدمون له عمقا استراتيجيا. ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإلى هذا الحد انحدر موقف حكامنا؟!
مجدى أحمد حسين
*****
مقالات أخرى لمجدى حسين:
هناك تعليق واحد:
رحالتنا الرائع .اسمح لى ان اشكرك على الصور والمعلومات القيمه جدا والتى تعرفت عليها لاول مرة .تقبل تحياتى واعجابى بمدونتك .ودمت بود
إرسال تعليق